الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الباب الثاني في أحكامها : قال اللخمي : وفي لزومها بالعقد أقوال - ثالثها سحنون - أولها لازم كالإجارة وآخرها إذا عجز كالجعل ; لأن الجعل إذا عجز فيه لم يكن له شيء . قال صاحب المقدمات : تلزم بالقول بخلاف القراض وقاله : ( ش ) ، وقيل : المزارعة كذلك ، وقيل : لا تنعقد ولا تلزم إلا بالعمل ، وقيل : تنعقد وتلزم بالشروع ولا تلزم الشركة باللفظ ولا بالعمل ، واختلف بماذا تنعقد : هل باللفظ أو بالعمل قولان في المدونة ، وقال ابن حنبل : لا تلزم المساقاة بالعقد ، وكذلك المزارعة ; لقوله في مسلم ليهود نقركم على ذلك ما شئنا لما سألوه المساقاة على الشطر ولو كانت للذمة لم تجز بغير تقدير مدة ولم يكن له - صلى الله عليه وسلم خبرة ، وبالقياس على القراض وهو أولى من القياس على الإجارة ; لأن كليهما عقد ضرورة ، فالشبه أقوى ، والجواب عن الأول : أن المدة كانت تجدد ، ولم يتعرض الراوي لنفي ذلك ، فيجب اعتقاده جملة ; لتصرفه - صلى الله عليه وسلم - ما لا جهالة فيه ، ومعنى قوله نقركم على ذلك ما شئنا أي في المعاملة الثانية أو في العقود المتجددة ، [ ص: 106 ] وعن الثاني : الفرق بأن أرباح القراض منوطة بالأسواق وهي غير منضبطة في مدة معينة ، فكانت غاية نضوض المال ، وغاية المساقاة الجداد وما تجدد من المدة ويكون آخرها الجداد ، فلا يختل مقصودها .

                                                                                                                فرع : في الكتاب تمتنع المساقاة فيها البياض اليسير على أن يزرعه ببذره أو ببذرك ويعمل فيه على أن ما تنبته لك ; لأنها زيادة تخصك فهي زيادة في الغرر ، ويمتنع اشتراطه نصف البذر عليك أو حرث البياض وإن جعل الزرع بينكما ، ويجوز أن يزرعه من عنده ويعمله ، وما ينبت بينكما كالمساقاة وإلغاء البياض اليسير أحسن كما ألغي في خيبر وكان يسيرا ، وإن كان في الزرع ما يشغله قدر يسير وتبع له ، جاز اشتراطه لنفسه ليزرعه كبياض النخل ، وإن كان في زرع شجر متفرق تبع له ، جاز أن تشترط على ما يشترط في الزرع ، ولا يشترطه لنفسه وإن قلت بخلاف البياض ، ولا يجوز على أن ثمرها لأحدكما بل بينكما على جزء الزرع ، قال ابن يونس : جوز ابن حبيب أن تشترط بياض الحائط لنفسك إن كان بعلا ، أو يسقى بغير ماء الحائط ، قال محمد : فإن سكتا عنه عند العقد فهو له ، وكذلك إن سكتا عند العقد وتشاحا عند الزراعة .

                                                                                                                وفي الكتاب إذا كان البياض يسيرا سوقي بالجزء ، وإلا اكتري بالذهب أو الورق وكان بياض خيبر يسيرا ، قال ابن يونس : قال مالك : إلغاء البياض له أحل .

                                                                                                                قال محمد : إن شرطته لنفسك امتنع ; لأنها إجارة مجهولة الأجرة ، فإن ادعيت قبل العمل اشتراطه لنفسك ، قال ابن حبيب : تحالفتما وتفاسختما كدعوى نزع رقيق الحائط على القول بلزوم المساقاة باللفظ ، وقال مالك : إن زرعه بغير شرط ولم تنكر عليه فعليه كراء [ ص: 107 ] الأرض ، وقال ابن عبدوس : إنما يراعى كونه تبعا لثمرة جميع الحائط إن اشترطتما أن ما ينبت فيه بينكما ، فأما إن ألغي له فإنما يراعى ما هو تبع لحصته خاصة ، وعن مالك إن أجيحت الثمرة وقد زرع العامل البياض فله كراؤه ، ولو عجز الداخل عن الأصل عليه كراء المثل ، قال ابن حبيب : إذا شرطت العمل والبذر عليه وما ينبت لك ، فله مساقاة مثله وما ينبت له ، لقوة سببه بالبذر والعمل ، وإن شرطت البذر من عندك والعمل عليه على أن ما ينبت لك فمساقاة المثل وأجرة المثل في عمل البياض والزرع لك ; لقوة سببك بالبذر قال : والأصل أن يكون أجيرا . قال محمد : ولو شرطت البياض للعامل وعليك البذر امتنع ; لأنها زيادة له وله أجرة المثل ، وقال أصبغ : مساقاة المثل ، وعن مالك إذا كان الشجر تبعا للأرض والزرع تبع للشجر أنه بخلاف البياض وكراء الأرض ، ولا يلغى للعامل ، ويمتنع إلا على مساقاة واحدة كأصناف في حائط ، وعن مالك جواز إلغائه للعامل إن كان تبعا كمكتري الدار والأرض فيها نخل تبع شرط ثمرتها ، فهي له ولا يكون بينكما ، فإن شرط ثلاثة أرباع البياض الذي هو تبع ، منعه ابن القاسم ، بل إما مساقاة واحدة بينكما أو يلغى للعامل ، وأجازه أصبغ قياسا على اشتراط الكل ، ولا ينبغي أن يكون أكثره لك ، كما أنه ليس لك اشتراط كله ، قال اللخمي : متى كان أكثر من الثلث امتنع إدخاله في المساقاة وجاز إبقاؤه لك ، وإن سكتما عنه عند العقد صح وهو لك ، وإن كان الثلث فأقل ، جاز إدخاله في المساقاة ; لأن بياض خيبر كان تبعا ، فإن سكتما عنه قال مالك هو لك ، فإن زرعه بغير علمك فعليه كراء المثل ، وقال محمد : هو له ; لأنها سنته عليه السلام في خيبر ، وقال ابن حبيب : بني الزرع الفاسد على الشركة الفاسدة على أحد القولين إن الزرع لمن له البذر ، قال : وأرى أن الزرع له إذا زرع على أن لا [ ص: 108 ] شركة لك ، أو على أن يكون الزرع لك ، قال : وإن بذر من عنده ; لأنك إنما اشتريت منه البذر شراء فاسدا وأمرته بجعله في أرضك وعليك مثل ما بذر وأجرة العمل ويكون الزرع له ، وإن كان البذر من عندك وزرعه لنفسه فهو له وعليه مثل البذر وكراء الأرض ; لأنه اشترى منك البذر شراء فاسدا ، وفي الكتاب يمتنع في البياض التبع أن يشترط أول سنة للعامل ثم باقي السنين لك ; لأنه غرر . قال ابن يونس : قال ابن حبيب : فإن نزل فله مساقاة مثله في العام الأول على أن البياض له ، ومساقاة المثل فيما بعد على أن البياض لك ، فيكون في الأول النصف مثلا وفي الأخير الثلثان ، وعلى مذهب محمد أجير في السنين كلها ، وفي الجواهر متى كان البياض أكثر من الثلث امتنع دخوله في المساقاة وإلغاؤه له بل لك ، أو أقل وسكتما عنه فله عند مالك ، وقال ابن حبيب : بشرط أن لا تزيد قيمته على ثلث نصيبه ، وظاهر قول مالك : أن لا تزيد قيمته على ثلث الجميع ، وفي كتاب ابن سحنون : أنه لك إذا سكتما عنه .

                                                                                                                تمهيد : يحذر في البياض من أمور ، أحدها كراء الأرض بما تنبت ، وثانيها اشتراط زيادة لك أوله ، فإنه زيادة غرر في المساقاة ; لاحتمال أن لا يحصل ما يقابل تلك الزيادة أو يحصل لكن لا يعلم مقداره ، وثالثها الشركة الفاسدة في الزرع بأن تقابل الأرض أو بعضها بالبذر أو بعضه ، فإذا ألغى للعامل وهو تبع سلم من هذا كله .

                                                                                                                فائدة : إنما سمي الخالي من الأرض بياضا والمزروع سوادا ; لأن الأرض [ ص: 109 ] مشرقة بضوء الشمس بالنهار ، وبنور الكواكب بالليل ، فالأرض كلها بياض - بسبب ذلك ، فإذا قام فيها قائم حجب عنك ما وراءه من الإشراق فتصير جهته سوادا فسمي كل قائم سوادا ، وما عداه بياضا ، وكذلك تقول العرب بينا نحن سوادا جلوس إذ طلع علينا سواد ، فيسمون كل قائم في الأرض سوادا لما تقدم .

                                                                                                                فرع : في الكتاب يجوز مساقاة ما لم يره من ثمر نخل أو شجر قياسا على الذي يظهر ، ومنعه ( ش ) قياسا على بيع الغائب ونحن نمنع حكم الأصل .

                                                                                                                فرع : في الكتاب لا يأكل العامل من الثمر شيئا ; لأنه مشترك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية