الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ودع

                                                          ودع : الودع والودع والودعات : مناقيف صغار تخرج من البحر تزين بها العثاكيل وهي خرز بيض جوف في بطونها شق كشق النواة ، تتفاوت في الصغر والكبر ، وقيل : هي جوف في جوفها دويبة كالحلمة ; قال عقيل بن علفة :


                                                          ولا ألقي لذي الودعات سوطي لأخدعه وغرته أريد



                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده :


                                                          ألاعبه وزلته أريد



                                                          واحدتها ودعة وودعة . وودع الصبي : وضع في عنقه الودع . وودع الكلب : قلده الودع ; قال :


                                                          يودع بالأمراس كل عملس     من المطعمات اللحم غير الشواحن



                                                          أي يقلدها ودع الأمراس . وذو الودع : الصبي ; لأنه يقلدها ما دام صغيرا ; قال جميل :


                                                          ألم تعلمي يا أم ذي الودع أنني     أضاحك ذكراكم وأنت صلود ؟



                                                          ويروى : أهش لذكراكم ; ومنه الحديث : من تعلق ودعة لا ودع الله له ، وإنما نهى عنها ؛ لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين ، وقوله : لا ودع الله له أي لا جعله في دعة وسكون ، وهو لفظ مبني من الودعة ، أي لا خفف الله عنه ما يخافه . وهو يمردني الودع ويمرثني أي يخدعني كما يخدع الصبي بالودع فيخلى يمرثها . ويقال للأحمق : هو يمرد الودع ، يشبه بالصبي ; قال الشاعر :


                                                          والحلم حلم صبي يمرث الودعه



                                                          قال ابن بري : أنشد الأصمعي هذا البيت في الأصمعيات لرجل من تميم بكماله :


                                                          السن من جلفزيز عوزم خلق     والعقل عقل صبي يمرس الودعه



                                                          قال : وتقول خرج زيد فودع أباه وابنه وكلبه وفرسه ودرعه أي ودع أباه عند سفره من التوديع ، وودع ابنه : جعل الودع في عنقه ، وكلبه : قلده الودع ، وفرسه : رفهه ، وهو فرس مودع ومودوع ، على غير قياس ، ودرعه ، والشيء : صانه في صوانه . والدعة والتدعة على البدل : الخفض في العيش والراحة ، والهاء عوض من الواو . والوديع : الرجل الهادئ الساكن ذو التدعة . ويقال ذو وداعة ، ودع يودع دعة ووداعة ، زاد ابن بري : وودعه ، فهو وديع ووادع أي ساكن ; وأنشد شمر قول عبيد الراعي :


                                                          ثناء تشرق الأحساب منه     به تتودع الحسب المصونا



                                                          أي تقيه وتصونه ، وقيل أي تقره على صونه وادعا . ويقال : ودع الرجل يدع إذا صار إلى الدعة والسكون ; ومنه قول سويد بن كراع :


                                                          أرق العين خيال لم     يدع لسليمى ففؤادي منتزع



                                                          أي لم يبق ولم يقر . ويقال : نال فلان المكارم وادعا أي من غير أن يتكلف فيها مشقة . وتودع واتدع تدعة وتدعة وودعه : رفهه ، والاسم المودوع . ورجل متدع أي صاحب دعة وراحة ، فأما قول خفاف بن ندبة :


                                                          إذا ما استحمت أرضه من سمائه [ ص: 179 ]     جرى وهو مودوع وواعد مصدق



                                                          فكأنه مفعول من الدعة ، أي أنه ينال متدعا من الجري متروكا لا يضرب ولا يزجر ما يسبق به ، وبيت خفاف بن ندبة هذا أورده الجوهري وفسره فقال أي متروك لا يضرب ولا يزجر ; قال ابن بري : مودوع هاهنا من الدعة التي هي السكون لا من الترك كما ذكر الجوهري أي أنه جرى ولم يجهد كما أوردناه ، وقال ابن بزرج : فرس وديع ومودوع ومودع ; وقال ذو الإصبع العدواني :


                                                          أقصر من قيده وأودعه     حتى إذا السرب ريع أو فزعا



                                                          والدعة : من وقار الرجل الوديع . وقولهم : عليك بالمودوع أي بالسكينة والوقار ، فإن قلت : فإنه لفظ مفعول ولا فعل له إذ لم يقولوا ودعته في هذا المعنى ; قيل : قد تجيء الصفة ولا فعل لها كما حكي من قولهم رجل مفئود للجبان ، ومدرهم للكثير الدرهم ، ولم يقولوا فئد ولا درهم . وقالوا : أسعده الله ، فهو مسعود ، ولا يقال سعد إلا في لغة شاذة . وإذا أمرت الرجل بالسكينة والوقار قلت له : تودع واتدع ; قال الأزهري : وعليك بالمودوع من غير أن تجعل له فعلا ولا فاعلا مثل المعسور والميسور ، قال الجوهري : وقولهم عليك بالمودوع أي بالسكينة والوقار ، قال : لا يقال منه ودعه كما لا يقال من المعسور والميسور عسره ويسره . وودع الشيء يدع واتدع ، كلاهما : سكن ; وعليه أنشد بعضهم بيت الفرزدق :


                                                          وعض زمان يا ابن مروان     لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف



                                                          فمعنى لم يدع لم يتدع ولم يثبت ، والجملة بعد زمان في موضع جر لكونها صفة له ، والعائد منها إليه محذوف للعلم بموضعه ، والتقدير فيه لم يدع فيه أو لأجله من المال إلا مسحت أو مجلف ، فيرتفع مسحت بفعله ومجلف عطف عليه ، وقيل : معنى قوله : لم يدع لم يبق ولم يقر ، وقيل : لم يستقر ; وأنشده سلمة إلا مسحتا أو مجلف ، أي لم يترك من المال إلا شيئا مستأصلا هالكا أو مجلف كذلك ، ونحو ذلك رواه الكسائي وفسره ، قال : وهو كقولك ضربت زيدا وعمرو ، تريد وعمرو مضروب ، فلما لم يظهر له الفعل رفع ; وأنشد ابن بري لسويد بن أبي كاهل :


                                                          أرق العين خيال لم يدع     من سليمى ففؤادي منتزع



                                                          أي لم يستقر . وأودع الثوب وودعه : صانه . قال الأزهري : والتوديع أن تودع ثوبا في صوان لا يصل إليه غبار ولا ريح . وودعت الثوب بالثوب وأنا أدعه ، مخفف . وقال أبو زيد : الميدع كل ثوب جعلته ميدعا لثوب جديد تودعه به أي تصونه به . ويقال : ميداعة ، وجمع الميدع موادع ، وأصله الواو ، لأنك ودعت به ثوبك أي رفهته به ; قال ذو الرمة :


                                                          هي الشمس إشراقا إذا ما تزينت     وشبه النقا مقترة في الموادع



                                                          وقال الأصمعي : الميدع الثوب الذي تبتذله وتودع به ثياب الحقوق ليوم الحفل ، وإنما يتخذ الميدع ليودع به المصون . وتودع فلان فلانا إذا ابتذله في حاجته . وتودع ثياب صونه إذا ابتذلها . وفي الحديث : صلى معه عبد الله بن أنيس وعليه ثوب متمزق فلما انصرف دعا له بثوب فقال : تودعه بخلقك هذا أي تصونه به ، يريد البس هذا الذي دفعته إليك في أوقات الاحتفال والتزين . والتوديع : أن يجعل ثوبا وقاية ثوب آخر . والميدع والميدعة والميداعة : ما ودعه به . وثوب ميدع : صفة ; قال الضبي :


                                                          أقدمه قدام نفسي وأتقي به     الموت إن الصوف للخز ميدع



                                                          وقد يضاف . والميدع أيضا : الثوب الذي تبتذله المرأة في بيتها . يقال : هذا مبذل المرأة وميدعها ، وميدعتها : التي تودع بها ثيابها . ويقال للثوب الذي يبتذل : مبذل وميدع ومعوز ومفضل . والميدع والميدعة : الثوب الخلق ; قال شمر أنشد ابن أبي عدنان :


                                                          في الكف مني مجلات     أربع مبتذلات ما لهن ميدع



                                                          قال : ما لهن ميدع أي ما لهن من يكفيهن العمل فيدعهن أي يصونهن عن العمل . وكلام ميدع إذا كان يحزن ، وذلك إذا كان كلاما يحتشم منه ولا يستحسن . والميداعة : الرجل الذي يحب الدعة ; عن الفراء . وفي الحديث : إذا لم ينكر الناس المنكر فقد تودع منهم أي أهملوا وتركوا وما يرتكبون من المعاصي حتى يكثروا منها ، ولم يهدوا لرشدهم حتى يستوجبوا العقوبة فيعاقبهم الله ، وأصله من التوديع وهو الترك ، قال : وهو من المجاز لأن المعتني بإصلاح شأن الرجل إذا يئس من صلاحه تركه واستراح من معاناة النصب معه ، ويجوز أن يكون من قولهم تودعت الشيء أي صنته في ميدع ، يعني قد صاروا بحيث يتحفظ منهم ويتصون كما يتوقى شرار الناس . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : إذا مشت هذه الأمة السميهاء فقد تودع منها . ومنه الحديث : اركبوا هذه الدواب سالمة وايتدعوها سالمة أي اتركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى ركوبها ، وهو افتعل من ودع ، بالضم ، وداعة ودعة أي سكن وترفه . وايتدع فهو متدع أي صاحب دعة ، أو من ودع إذا ترك ، يقال اتدع وايتدع على القلب والإدغام والإظهار . وقولهم : دع هذا أي اتركه ، وودعه يدعه : تركه ، وهي شاذة ، وكلام العرب : دعني وذرني ويدع ويذر ، ولا يقولون ودعتك ولا وذرتك ، استغنوا عنهما بتركتك والمصدر فيهما تركا ، ولا يقال ودعا ولا وذرا ; وحكاهما بعضهم ولا وادع ، وقد جاء في بيت أنشده الفارسي في البصريات :


                                                          فأيهما ما أتبعن فإنني     حزين على ترك الذي أنا وادع



                                                          قال ابن بري : وقد جاء وادع في شعر معن بن أوس :


                                                          عليه شريب لين وادع     العصا يساجلها حماته وتساجله



                                                          وفي التنزيل : ما ودعك ربك وما قلى ; أي لم يقطع الله الوحي عنك ولا أبغضك ، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - استأخر الوحي عنه فقال ناس من الناس : إن محمدا قد ودعه ربه وقلاه ، فأنزل الله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى ، المعنى وما قلاك ، وسائر القراء قرءوه : ودعك ، [ ص: 180 ] بالتشديد ، وقرأ عروة بن الزبير : ( ما ودعك ربك ) ، بالتخفيف ، والمعنى فيهما واحد ، أي ما تركك ربك ; قال :


                                                          وكان ما قدموا لأنفسهم     أكثر نفعا من الذي ودعوا



                                                          وقال ابن جني : إنما هذا على الضرورة ; لأن الشاعر إذا اضطر جاز له أن ينطق بما ينتجه القياس ، وإن لم يرد به سماع ; وأنشد قول أبي الأسود الدؤلي :


                                                          ليت شعري عن خليلي ما     الذي غاله في الحب حتى ودعه



                                                          وعليه قرأ بعضهم : ما ودعك ربك وما قلى ; لأن الترك ضرب من القلى ، قال : فهذا أحسن من أن يعل باب استحوذ واستنوق الجمل لأن استعمال ودع مراجعة أصل ، وإعلال استحوذ واستنوق ونحوهما من المصحح ترك أصل ، وبين مراجعة الأصول وتركها ما لا خفاء به ; وهذا البيت روى الأزهري عن ابن أخي الأصمعي : أن عمه أنشده لأنس بن زنيم الليثي :


                                                          ليت شعري عن أميري     ما الذي غاله في الحب حتى ودعه
                                                          لا يكن برقك برقا خلبا     إن خير البرق ما الغيث معه



                                                          قال ابن بري : وقد روي البيتان للمذكورين ; وقال الليث : العرب لا تقول ودعته فأنا وادع أي تركته ، ولكن يقولون في الغابر يدع ، وفي الأمر دعه ، وفي النهي لا تدعه ; وأنشد :


                                                          أكثر نفعا من الذي ودعوا



                                                          يعني تركوا . وفي حديث ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن على قلوبهم أي عن تركهم إياها والتخلف عنها من ودع الشيء يدعه ودعا إذا تركه ، وزعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدر يدع ويذر واستغنوا عنه بترك ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب ، وقد رويت عنه هذه الكلمة ; قال ابن الأثير : وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله فهو شاذ في الاستعمال صحيح في القياس ، وقد جاء في غير حديث حتى قرئ به قوله تعالى : ما ودعك ربك وما قلى ، بالتخفيف ; وأنشد ابن برى

                                                          [ لأبي الأسود الدؤلي ] :


                                                          سل أميري ما الذي غيره     عن وصالي اليوم حتى ودعه



                                                          وأنشد لسويد بن أبي كاهل :


                                                          فسعى مسعاته في قومه     ثم لم يدرك ولا عجزا ودع



                                                          وقالوا : لم يدع ولم يذر شاذ ، والأعرف لم يودع ولم يوذر ، وهو القياس . والوداع ، بالفتح : الترك . وقد ودعه ووادعه وودعه ووادعه دعاء له من ذلك ; قال :


                                                          فهاج جوى في القلب ضمنه     الهوى ببينونة ينأى بها من يوادع



                                                          وقيل في قول ابن مفرغ :


                                                          دعيني من اللوم بعض الدعه



                                                          أي اتركيني بعض الترك . وقال ابن هانئ في المرربه الذي يتصنع في الأمر ولا يعتمد منه على ثقة : دعني من هند فلا جديدها ودعت ، ولا خلقها رقعت . وفي حديث الخرص : إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ; قال الخطابي : ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يترك لهم من عرض المال توسعة عليهم ; لأنه إن أخذ الحق منهم مستوفى أضر بهم ، فإنه يكون منها الساقطة والهالكة وما يأكله الطير والناس ، وكان عمر - رضي الله عنه - يأمر الخراص بذلك . وقال بعض العلماء : لا يترك لهم شيء شائع في جملة النخل بل يفرد لهم نخلات معدودة قد علم مقدار ثمرها بالخرص ، وقيل : معناه أنهم إذا لم يرضوا بخرصكم فدعوا لهم الثلث أو الربع ليتصرفوا فيه ويضمنوا حقه ويتركوا الباقي إلى أن يجف ويؤخذ حقه ، لا أنه يترك لهم بلا عوض ولا إخراج ; ومنه الحديث : دع داعي اللبن أي اترك منه في الضرع شيئا يستنزل اللبن ولا تستقص حلبه . والوداع : توديع الناس بعضهم بعضا في المسير . وتوديع المسافر أهله إذا أراد سفرا : تخليفه إياهم خافضين وادعين ، وهم يودعونه إذا سافر تفاؤلا بالدعة التي يصير إليها إذا قفل . ويقال ودعت ، بالتخفيف ، فودع ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          وسرت المطية مودوعة     تضحي رويدا وتمسي زريقا



                                                          وهو من قولهم فرس وديع ومودوع ومودع . وتودع القوم وتوادعوا : ودع بعضهم بعضا . والتوديع عند الرحيل ، والاسم الوداع ، بالفتح . قال شمر : والتوديع يكون للحي والميت ; وأنشد بيت لبيد :


                                                          فودع بالسلام أبا حريز     وقل وداع أربد بالسلام



                                                          وقال القطامي :


                                                          قفي قبل التفرق يا ضباعا     ولا يك موقف منك الوداعا



                                                          أراد ولا يك موقف الوداع ، وليكن موقف غبطة وإقامة ; لأن موقف الوداع يكون للفراق ويكون منغصا بما يتلوه من التباريح والشوق . قال الأزهري : والتوديع ، وإن كان أصله تخليف المسافر أهله وذويه وادعين ، فإن العرب تضعه موضع التحية والسلام ; لأنه إذا خلف دعا لهم بالسلامة والبقاء ودعوا بمثل ذلك ; ألا ترى أن لبيدا قال في أخيه وقد مات :


                                                          فودع بالسلام أبا حريز



                                                          أراد الدعاء له بالسلام بعد موته ، وقد رثاه لبيد بهذا الشعر وودعه توديع الحي إذا سافر ، وجائز أن يكون التوديع تركه إياه في الخفض والدعة . وفي نوادر الأعراب : تودع مني أي سلم علي . قال الأزهري : فمعنى تودع منهم أي سلم عليهم للتوديع ; وأنشد ابن السكيت قول مالك بن نويرة وذكر ناقته :


                                                          قاظت أثال إلى الملا وتربعت     بالحزن عازبة تسن وتودع



                                                          قال : تودع أي تودع تسن أي تصقل بالرعي . يقال : سن إبله إذا أحسن القيام عليها وصقلها ، وكذلك صقل فرسه إذا أراد أن يبلغ [ ص: 181 ] من ضمره ما يبلغ الصيقل من السيف ، وهذا مثل ; وروى شمر عن محارب : ودعت فلانا من وادع السلام . وودعت فلانا أي هجرته . والوداع : القلى . والموادعة والتوادع : شبه المصالحة والتصالح . والوديع : العهد . وفي حديث طهفة : قال - عليه السلام - : لكم يا بني نهد ودائع الشرك ووضائع المال ، ودائع الشرك أي العهود والمواثيق ، يقال : أعطيته وديعا أي عهدا . قال ابن الأثير : وقيل يحتمل أن يريدوا بها ما كانوا استودعوه من أموال الكفار الذين لم يدخلوا في الإسلام ، أراد إخلالها لهم ؛ لأنها مال كافر قدر عليه من غير عهد ولا شرط ، ويدل عليه قوله في الحديث : ما لم يكن عهد ولا موعد . وفي الحديث : أنه وادع بني فلان أي صالحهم وسالمهم على ترك الحرب والأذى ، وحقيقة الموادعة المتاركة أي يدع كل واحد منهما ما هو فيه ; ومنه الحديث : وكان كعب القرظي موادعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وفي حديث الطعام : غير مكفور ولا مودع ، ولا مستغنى عنه ربنا أي غير متروك الطاعة ، وقيل : هو من الوداع وإليه يرجع . وتوادع القوم : أعطى بعضهم بعضا عهدا ، وكله من المصالحة ; حكاه الهروي في الغريبين . وقال الأزهري : توادع الفريقان إذا أعطى كل منهم الآخرين عهدا أن لا يغزوهم ; تقول : وادعت العدو إذا هادنته موادعة ، وهي الهدنة والموادعة . وناقة مودعة : لا تركب ولا تحلب . وتوديع الفحل : اقتناؤه للفحلة . واستودعه مالا وأودعه إياه : دفعه إليه ليكون عنده وديعة . وأودعه : قبل منه الوديعة ; جاء به الكسائي في باب الأضداد ; قال الشاعر :


                                                          استودع العلم قرطاس فضيعه     فبئس مستودع العلم القراطيس



                                                          وقال أبو حاتم : لا أعرف أودعته قبلت وديعته ، وأنكره شمر ، إلا أنه حكى عن بعضهم استودعني فلان بعيرا فأبيت أن أودعه أي أقبله ; قال الأزهري : قاله ابن شميل في كتاب المنطق والكسائي لا يحكي عن العرب شيئا إلا قد ضبطه وحفظه . ويقال : أودعت الرجل مالا واستودعته مالا ; وأنشد :


                                                          يا ابن أبي ويا بني أميه     أودعتك الله الذي هو حسبيه



                                                          ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          حتى إذا ضرب القسوس     عصاهم ودنا من المتنسكين ركوع
                                                          أودعتنا أشياء واستودعتنا     أشياء ليس يضيعهن مضيع



                                                          وأنشد أيضا :


                                                          إن سرك الري قبيل الناس     فودع الغرب بوهم شاس



                                                          ودع الغرب أي اجعله وديعة لهذا الجمل أي ألزمه الغرب . والوديعة : واحدة الودائع ، وهي ما استودع . وقوله تعالى : فمستقر ومستودع ; المستودع ما في الأرحام ، واستعاره علي - رضي الله عنه - للحكمة والحجة ، فقال : بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم ; وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : فمستقر ، بكسر القاف ، وقرأ الكوفيون ونافع وابن عامر بالفتح ، وكلهم قال : فمستقر في الرحم ، ومستودع في صلب الأب ، روي ذلك عن ابن مسعود ومجاهد والضحاك . وقال الزجاج : فلكم في الأرحام مستقر ولكم في الأصلاب مستودع ، ومن قرأ فمستقر ، بالكسر ، فمعناه فمنكم مستقر في الأحياء ومنكم مستودع في الثرى . وقال ابن مسعود في قوله : ويعلم مستقرها ومستودعها أي مستقرها في الأرحام ومستودعها في الأرض . وقال قتادة في قوله - عز وجل - : ودع أذاهم وتوكل على الله ; يقول : اصبر على أذاهم . وقال مجاهد : ودع أذاهم ؛ أي أعرض عنهم ، وفي شعر العباس يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - :


                                                          من قبلها طبت في الظلال     وفي مستودع حيث يخصف الورق



                                                          المستودع : المكان الذي تجعل فيه الوديعة ، يقال : استودعته وديعة إذا استحفظته إياها ، وأراد به الموضع الذي كان به آدم وحواء من الجنة ، وقيل : أراد به الرحم . وطائر أودع : تحت حنكه بياض . والودع والودع : اليربوع ، والأودع أيضا من أسماء اليربوع . والودع : الغرض يرمى فيه . والودع : وثن . وذات الودع : وثن أيضا . وذات الودع : سفينة نوح - عليه السلام - كانت العرب تقسم بها فتقول : بذات الودع ; قال عدي بن زيد العبادي :


                                                          كلا يمينا بذات الودع لو     حدثت فيكم وقابل قبر الماجد الزارا



                                                          يريد سفينة نوح - عليه السلام - يحلف بها ، ويعني بالماجد النعمان بن المنذر ، والزار أراد الزارة بالجزيرة ، وكان النعمان مرض هنالك . وقال أبو نصر : ذات الودع مكة لأنها كان يعلق عليها في ستورها الودع ; ويقال : أراد بذات الودع الأوثان . أبو عمرو : الوديع المقبرة . والودع ، بسكون الدال : حائر يحاط عليه حائط يدفن فيه القوم موتاهم ; حكاه ابن الأعرابي عن المسروحي ; وأنشد :


                                                          لعمري لقد أوفى ابن عوف عشية     على ظهر ودع أتقن الرصف صانعه
                                                          وفي الودع لو يدري ابن عوف عشية     غنى الدهر أو حتف لمن هو طالعه



                                                          قال المسروحي : سمعت رجلا من بني رويبة بن قصيبة بن نصر بن سعد بن بكر يقول : أوفى رجل منا على ظهر ودع بالجمهورة ، وهي حرة لبني سعد بن بكر ، قال : فسمعت قائلا يقول ما أنشدناه ، قال : فخرج ذلك الرجل حتى أتى قريشا فأخبر بها رجلا من قريش فأرسل معه بضعة عشر رجلا ، فقال : احفروه واقرءوه القرآن عنده واقلعوه ، فأتوه فقلعوا منه فمات ستة منهم أو سبعة وانصرف الباقون ذاهبة عقولهم فزعا ، فأخبروا صاحبهم فكفوا عنه ، قال : ولم يعد له بعد ذلك أحد ; كل ذلك حكاه ابن الأعرابي عن المسروحي ، وجمع الودع ودوع ; عن المسروحي أيضا . والوداع : واد بمكة ، وثنية الوداع منسوبة إليه . ولما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح استقبله إماء مكة يصفقن ويقلن :

                                                          [ ص: 182 ]

                                                          طلع البدر علينا من ثنيات الوداع     وجب الشكر علينا ما دعا لله داع



                                                          وودعان : اسم موضع ; وأنشد الليث :


                                                          ببيض ودعان بساط سي



                                                          ووادعة : قبيلة إما أن تكون من همدان ، وإما أن تكون همدان منها ، ومودوع : اسم فرس هرم بن ضمضم المري ، وكان هرم قتل في حرب داحس ; وفيه تقول نائحته :


                                                          يا لهف نفسي لهف المفجوع     أن لا أرى هرما على مودوع



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية