الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 363 ] قال الناسخ: نقل من خط الشيخ الإمام شيخ الإسلام الشيخ تقي الدين أحمد ابن تيمية بحضور ترجمانه ولسان قلمه: الشيخ شمس الدين أبي عبد الله بن رشيق، والمقابلة عليه وهو ممسك بأصل الشيخ رحمه الله، والشيخ سليمان يقرأ، وذلك في ثالث شهر جمادى الأولى من شهور سنة ست وثلاثين وسبعمائة.

* * * [ ص: 364 ] مسألة في إثبات التوحيد والنبوات بالنقل الصحيح والعقل الصريح [ ص: 366 ] بسم الله الرحمن الرحيم

سئل الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني رحمه الله ورضي عنه عن العقل قبل ورود الشرائع، هل هو حجة أم لا؟ وإذا لم يكن حجة فبم تثبت النبوات؟ وبم استدل إبراهيم عليه السلام حين قال: هذا ربي ؟

فأجاب عنه: الحمد لله رب العالمين.

العقل يراد به الغريزة التي جعلها الله في الإنسان، ويراد به العلوم والأعمال التي تستفاد بهذه الغريزة. والعقل شرط في الإيمان بالله ومعرفة كتبه ورسله، لا يحصل العلم والإيمان بدون العقل، ولكن الحجة التي يعذب الله من خالفها تثبت بالرسل، كما قال تعالى: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [النساء: 165]، وقال تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء: 15]، وقال تعالى: كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير [الملك: 8 - 9]. فقد أخبر تعالى أن كل من ألقي في النار جاءه نذير. [ ص: 368 ]

والرسل صلوات الله عليهم وسلامه إذا بلغوا الناس رسالات ربهم، فإنه بما جعل الله في الناس من العقول، وبما أتوا به من الآيات يعرف صدق الرسل ويحصل الإيمان بهم، وبمجرد العقل قد يعرف الإنسان أن له خالقا، ويعرف بعض صفاته، وأما التفاصيل التي جاءت بها الرسل فلا تعرف إلا من جهتهم، كما قال تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [الشورى: 52]، وقال تعالى: قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي [سبإ: 50].

ومحمد صلوات الله عليه وسلامه كان أكمل الناس عقلا، وكان مقرا بربه عز وجل قبل النبوة، ومع هذا فقد قال: وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي [سبإ: 50]، وقال الله تعالى له: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [الشورى: 52] وهو الإيمان بالغيب الذي جاء به جبريل عليه السلام، الذي لم يكن يعرفه قبل هذا.

وتعريف الرسل على وجهين: تارة تنبه القلوب وترشدها وتذكرها بما فيها، فيعلم الإنسان بعقله ونظره واستدلاله الذي دله عليه الرسول وأرشده إليه ما أخبره به الرسول، ولا يكون في هذا مقلدا للمخبر ولا [ ص: 369 ] مستفيدا له بمجرد خبره، بل بالنظر والاستدلال العقلي الذي أرشده إليه الرسول، كما بين الله تعالى في القرآن الدلائل الدالة على وحدانيته، وصدق رسله، وإمكان المعاد، وإثبات صفاته.

والرسل صلوات الله عليهم وسلامه لما جاءوا بالآيات والبراهين عرف صدقهم بالنظر والاستدلال بالعقل.

والتعريف الثاني: أن تخبرهم الرسل بما لا تهتدي إليه عقولهم، بهذا يعرفونه بإخبار الرسول; لكونهم استدلوا بالعقل على صدق الرسول بالآيات الدالة على صدقه. وإبراهيم عليه الصلاة والسلام وغيره من الأنبياء والرسل استدلوا بالدلائل العقلية والبراهين اليقينية، وكانوا مرشدين للناس إلى الاستدلال بها، وهو الطريق الأول من طريق تعريف الرسل عليهم السلام.

التالي السابق


الخدمات العلمية