الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 67 ] 8 - باب بيان ما أشكل مما روي عنه صلى الله عليه وسلم في السبب الذي كان فيه نزول قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى الآية ، وما روي عن علي في ذلك مما يحيط علما أن عليا لم يقل ذلك رأيا ولا استنباطا إذ كان مثله لا يقال بالرأي ولا بالاستنباط بهما ، ولا يقال إلا بالتوقيف من النبي عليه السلام

67 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا عوف الأعرابي ، عن ابن سيرين ، عن { أبي هريرة في هذه الآية : لا تكونوا كالذين آذوا موسى الآية ، قال رسول الله عليه السلام : إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيرا ، لا يكاد أن يرى من جلده شيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، وقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده ، إما برص ، وإما أدرة } - هكذا قال لنا إبراهيم في حديثه ، وأهل اللغة يخالفونه في ذلك ويقولون : إنها أدرة ؛ لأنها آدر بمعنى آدم ، فمنها بالإضافة [ ص: 68 ] إليها أدرة ، وإما آفة ، وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا ، وإن موسى خلا يوما وحده ، فوضع ثوبه على حجر ، ثم اغتسل ، فلما فرغ من غسله أقبل إلى ثوبه ليأخذه ، وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، وجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، إلى أن انتهى إلى ملأ بني إسرائيل فرأوه عريانا كأحسن الرجال خلقا ، فبرأه الله مما قالوا ، وإن الحجر قام ، فأخذ ثوبه فلبسه فطفق بالحجر ضربا ، قال : فوالله إن في الحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا ، فهذا ما روي في هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما ما قد روي عن علي في ذلك مما نحيط علما أنه لم يقله إلا بأخذه إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن فيه إخباره أن الله تعالى عنى ما ذكره فيه ، وذلك شهادة منه على الله به ، ولا يسعه ذلك إلا بأخذه إياه من حيث ذكرنا .

كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن علي : لا تكونوا كالذين آذوا موسى ، قال : صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون ، فقال بنو إسرائيل : أنت قتلته كان ألين [ ص: 69 ] لنا منك ، وأشد حياء فآذوه في ذلك ، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته ، وتكلمت بموته حتى عرفت بنو إسرائيل أنه قد مات فدفنوه ، فلم يعرف موضع قبره إلا الرخم ، فإن الله جعله أبكم أصم .

قال أبو جعفر : وكان من لا علم عنده ممن وقف على هذين الحديثين ، يرى أنهما متضادان ، وحاشا لله أن يكونا كذلك ؛ لأنه قد يجوز أن تكون بنو إسرائيل آذت موسى ، مما ذكر مما كان مما آذته به في كل واحد من الحديثين ، حتى برأه الله من ذلك بما برأه به من ذلك ، مما هو مذكور [ في ] هذين الحديثين .

التالي السابق


الخدمات العلمية