الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                القاعدة الخامسة تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة هذه القاعدة نص عليها الشافعي وقال " منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم " . قلت : وأصل ذلك : ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه . قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : قال عمر رضي الله عنه " إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم ، إن احتجت أخذت منه فإذا أيسرت رددته فإن استغنيت استعففت " .

                ومن فروع ذلك أنه إذا قسم الزكاة على الأصناف يحرم عليه التفضيل ، مع تساوي الحاجات . ومنها : إذا أراد إسقاط بعض الجند من الديوان بسبب : جاز ، وبغير سبب لا يجوز حكاه في الروضة .

                ومنها : ما ذكره الماوردي أنه لا يجوز لأحد من ولاة الأمور أن ينصب إماما للصلاة فاسقا ، وإن صححنا الصلاة خلفه ; لأنها مكروهة . وولي الأمر مأمور بمراعاة المصلحة ، ولا مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه .

                ومنها : أنه إذا تخير في الأسرى بين القتل ، والرق ، والمن والفداء ، لم يكن له ذلك بالتشهي بل بالمصلحة . حتى إذا لم يظهر وجه المصلحة يحبسهم إلى أن يظهر .

                ومنها : أنه ليس له العفو عن القصاص مجانا ; لأنه خلاف المصلحة ، بل إن رأى المصلحة في القصاص اقتص ، أو في الدية أخذها .

                ومنها : أنه ليس له أن يزوج امرأة بغير كفء ، وإن رضيت ; لأن حق الكفاءة للمسلمين ، وهو كالنائب عنهم ، فلا يقدر على إسقاطه .

                ومنها : أنه لا يجيز وصية من لا وارث له بأكثر من الثلث .

                ومنها : أنه لا يجوز له أن يقدم في مال بيت المال غير الأحوج على الأحوج .

                [ ص: 122 ] قال السبكي في فتاويه ، فلو لم يكن إمام ، فهل لغير الأحوج أن يتقدم بنفسه فيما بينه وبين الله تعالى ، إذا قدر على ذلك ، ملت إلى أنه لا يجوز .

                واستنبطت ذلك من حديث { إنما أنا قاسم ، والله المعطي } .

                قال : ووجه الدلالة : أن التمليك والإعطاء إنما هو من الله تعالى لا من الإمام ، فليس للإمام أن يملك أحدا إلا ما ملكه الله . وإنما وظيفة الإمام القسمة . والقسمة لا بد أن تكون بالعدل .

                ومن العدل : تقدم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجات فإذا قسم بينهما ، ودفعه إليهما علمنا أن الله ملكهما قبل الدفع . وأن القسمة إنما هي معينة لما كان مبهما ، كما هو بين الشريكين ، فإذا لم يكن إمام وبدر أحدهما واستأثر به ، كان كما لو استأثر بعض الشركاء بالماء المشترك ، ليس له ذلك .

                قال : ونظير ذلك ما ذكره الماوردي في باب التيمم : أنه لو ورد اثنان على ماء مباح وأحدهما أحوج ، فبدر الآخر وأخذ منه : أنه يكون مسيئا .

                ومنها : وقع بعد السبعمائة ببلاد الصعيد أن عبدا انتهى الملك فيه لبيت المال فاشترى نفسه من وكيل بيت المال ، فأفتى جلال الدين الدشناوي بالصحة " فرفعت الواقعة إلى القاضي شمس الدين الأصبهاني فقال : لا يصح ; لأنه عقد عتاقة ، وليس لوكيل بيت المال أن يعتق عبد بيت المال .

                قال ابن السبكي في التوشيح : والصواب ما أفتى به الدشناوي ، فإن هذا العتق إنما وقع بعوض ، فلا تضييع فيه على بيت المال .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية