الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          تنبيهات

                                                          ( الأول ) لا يخلو ما قبل الحرف المدغم إما أن يكون محركا ، أو ساكنا ، فإن كان محركا فلا كلام فيه ، وإن كان ساكنا فلا يخلو إما أن يكون معتلا ، أو صحيحا ، فإن كان معتلا ، فإن الإدغام معه ممكن حسن لامتداد الصوت به ، ويجوز فيه ثلاثة أوجه ، وهي المد المتوسط ، والقصر ، كجوازها في الوقف ، إذ كان حكم المسكن للإدغام كالمسكن للوقف كما تقدم ، وممن نص على ذلك الحافظ أبو العلاء الهمذاني فيما نقله عنه أبو إسحاق الجعبري ، وهو ظاهر لا نعلم له نصا بخلافه ، وذلك نحو ( الرحيم ملك ) ، قال لهم ، يقول ربنا ، وكذا لو انفتح ما قبل الواو والياء نحو قوم موسى ، كيف فعل والمد أرجح من القصر ، ونص عليه أبو القاسم الهذلي ، ولو قيل باختيار المد في حرف المد والتوسط في حرف اللين لكان له وجه ؛ لما يأتي في باب المد إن كان الساكن حرفا صحيحا [ ص: 299 ] فإن الإدغام الصحيح معه يعسر ؛ لكونه جميعا بين ساكنين أولهما ليس بحرف علة ، فكان الآخذون فيه بالإدغام الصحيح قليلين ، بل أكثر المحققين من المتأخرين على الإخفاء ، وهو الروم المتقدم ، ويعبر عنه بالاختلاس ، وحملوا ما وقع من عبارة المتقدمين بالإدغام على المجاز ، وذلك نحو شهر رمضان ، و الرعب بما ، و العلم ما لك ، و المهد صبيا ، و من بعد ظلمه ، و العفو وأمر ، و زادته هذه ( قلت ) وكلاهما ثابت صحيح مأخوذ به ، والإدغام الصحيح هو الثابت عند قدماء الأئمة من أهل الأداء ، والنصوص مجتمعة عليه ، وسيأتي تتمة الكلام على ذلك عند ذكر ( نعما ) إذ السكون فيها كالسكون فيهن ، وخص بعضهم هذا النوع منه بالإظهار ، وإن لم يرد الروم فقد أبعد ، والله أعلم .

                                                          ( الثاني ) كل من أدغم الراء في مثلها ، أو في اللام أبقى إمالة الألف قبلها نحو وقنا عذاب النار ربنا ، و النهار الآيات ، من حيث إن الإدغام عارض والأصل عدم الاعتداد . وروى ابن حبش عن السوسي فتح ذلك حالة الإدغام اعتدادا بالعارض ، وسيأتي الكلام على ذلك بحقه في باب الإمالة ، والله الموفق .

                                                          ( الثالث ) أجمع رواة الإدغام ، عن أبي عمرو ، على إدغام القاف في الكاف إدغاما كاملا يذهب معه صفة الاستعلاء ولفظها ، ليس بين أئمتنا في ذلك خلاف ، وبه ورد الأداء وصح النقل ، وبه قرأنا وبه نأخذ ، ولم نعلم أحدا خالف في ذلك ، وإنما خالف من خالف في ألم نخلقكم ممن لم يروا إدغام أبي عمرو ، والله أعلم . وكذلك أجمعوا على إدغام النون في اللام والراء إدغاما خالصا كاملا من غير غنة من روى الغنة عنه في النون الساكنة والتنوين عند اللام والراء ومن لم يروها ، كما سيأتي ذكر من روى الغنة عنه في ذلك في باب أحكام النون الساكنة والتنوين ، فاعلم ذلك ، والله تعالى أعلم .

                                                          ( فهذا مذهب أبي عمرو بن العلاء ) - رحمه الله تعالى - في الإدغام الكبير [ ص: 300 ] قد حررناه مستوفى مستقصى بحمد الله تعالى ومنه ( وها نحن ) نتبعه بأحرف تتعلق بالإدغام الكبير . منها ما وافق بعضهم عليها أبا عمرو ، ومنها ما انفرد بها عنه ، نذكرها مستوفاة إن شاء الله تعالى . فوافقه حمزة على إدغام التاء في أربعة مواضع من غير إشارة : والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ، والذاريات ذروا واختلف عن خلاد عنه في : فالملقيات ذكرا ، فالمغيرات صبحا فرواهما بالإدغام أبو بكر بن مهران ، عن أصحابه عن الوزان ، عن خلاد وأبو الفتح فارس بن أحمد ، وبه قرأ الداني عليه ، وروى أبو إسحاق الطبري ، عن البختري ، عن الوزان ، عن خلاد إدغام فالملقيات ذكرا فقط . وروى سائر الرواة ، عن خلاد إظهارهما ، وذكر الوجهين عنه أبو القاسم الشاطبي ومن تبعه ، وانفرد ابن خيرون عنه بإدغام : والعاديات ضبحا ووافقه يعقوب على إدغام الباء في موضع واحد ، وهو والصاحب بالجنب في النساء ، واختص دونه بإدغام التاء في حرف واحد وهو تتمارى من قوله : فبأي آلاء ربك تتمارى من سورة النجم ، ووافقه رويس على إدغام أربعة أحرف بلا خلاف منها الكاف ، في الكاف ثلاثة أحرف وهي : كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت في سورة " طه " ، والرابع الباء في سورة " المؤمنون " فلا أنساب بينهم واختص عنه بإدغام التاء في موضع واحد ، وهو قوله تعالى : في سورة سبأ : ثم تتفكروا وزاد الجمهور عنه إدغام اثني عشر حرفا ، وهي لذهب بسمعهم في البقرة وجعل لكم جميع ما في النحل وهي ثمانية مواضع ، ولا قبل لهم بها في النمل ( وأنه هو أغنى ، وأنه هو رب الشعرى ) وهما الأخيران من سورة النجم ، فأدغمها أبو القاسم النخاس من جميع طرقه ، وكذلك الجوهري كلاهما عن التمار ، وهو الذي لم يذكر في " المستنير " و " الإرشاد " و " المبهج " و " التذكرة " والداني وابن الفحام وأكثر أهل الأداء ، عن رويس سواه ، وكذا في " الروضة " غير أنه ذكر في جعل التخيير عن الحمامي ، وذكرها الهذلي من طريق [ ص: 301 ] الحمامي ، عن أصحابه عنه ، رواه أبو الطيب وابن مقسم كلاهما عن التمار عنه بالإظهار ، واختلف عنه أيضا في أربعة عشر حرفا وهي ثلاثة في البقرة فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ، والعذاب بالمغفرة ، وبعدها نزل الكتاب بالحق ، و إن الذين وفي الأعراف من جهنم مهاد وفي الكهف لا مبدل لكلماته ، وفي مريم فتمثل لها ، وفي طه : ولتصنع على عيني ، وفي النمل : وأنزل لكم ، وكذلك في الزمر ، وفي الروم : كذلك كانوا ، وفي الشورى : جعل لكم من أنفسكم ، وفي النجم : وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وهما الحرفان الأولان ، وفي الانفطار : ركبك كلا فروى أبو العز في كفايته ، عن القاضي أبي العلاء إدغام الكتاب بأيديهم ، وهو الذي في " المبهج " ، عن رويس .

                                                          روى صاحب " الإرشاد " عن القاضي أيضا إدغام " العذاب بالمغفرة " ورواه أيضا في " الكفاية " عن الكارزيني ، وهو الذي في " التذكرة " و " المصباح " و " التلخيص " ، عن رويس . وروى النخاس في الإرشادين و " المصباح " و " غاية أبي العلاء " إدغام " نزل الكتاب بالحق وإن الذين " واستثنى ذلك الكارزيني في " الكفاية " عن النخاس ، وهو الصحيح ، وذكره في " الإرشاد " للقاضي ، ولم يذكر في " الروضة " ، عن رويس في إدغامها خلافا ، ونص عليه الحمامي في " الكامل " ، ولم يذكر في " المستنير " عن رويس سواه . وروى النخاس ، عن طريق الكارزيني إدغام جهنم مهاد وذكره في " الكامل " عن الحمامي ، وهو الذي في " المصباح " و " الروضة " و " المستنير " ، عن رويس . وروى الكارزيني عن النخاس إدغام لا مبدل لكلماته ، وكذا هو في " المبهج " و " الكفاية " ومفردة ابن الفحام ولم يذكر في التذكرة سواه .

                                                          وروى أبو عمرو الداني ، وابن الفحام إدغام فتمثل لها ، ولتصنع على الحرفين كليهما ، وهو الذي في " التذكرة " و " المبهج " . وروى طاهر بن غلبون وابن الفحام إدغام أنزل لكم في الموضعين ، وهو الذي في " المبهج " ، وفي " الكفاية " عن الكارزيني . وروى الأهوازي ، وعبد الباري إدغام كذلك كانوا ، وهو الذي في " التذكرة " و " المبهج " ، وروى صاحب [ ص: 302 ] " المبهج " إدغام جعل لكم في الشورى ، وهو الذي في " التذكرة " ، ورواه في " الكفاية " عن الكارزيني ، وروى إدغام الموضعين إنه هو الأولين من النجم أبو العلاء في غايته عن النخاس ، وهو الذي في الإرشادين و " المستنير " و " الروضة " ، وروى الأهوازي إدغام ركبك كلا ، وهو الذي في " المبهج " . وروى الباقون عن رويس إظهار جميع ذلك ، والوجهان عنه صحيحان ، وروى أبو القاسم بن الفحام عن الكارزيني إدغام جعل لكم جميع ما في القرآن ، وهو ستة وعشرون حرفا . منها الثمانية المتقدمة في النحل ، وحرف الشورى ، وسبعة عشر حرفا سوى ذلك ، وهي في البقرة حرف : جعل لكم الأرض ، وفي الأنعام جعل لكم النجوم ، وفي يونس جعل لكم الليل ، وفي الإسراء وجعل لهم أجلا ، وفي طه جعل لكم الأرض ، وفي الفرقان جعل لكم الليل ، وفي القصص جعل لكم الليل ، وفي السجدة وجعل لكم السمع ، وفي يس جعل لكم من ، وفي غافر ثلاثة ، وفي الزخرف ثلاثة ، وفي الملك حرفان ، وفي نوح جعل لكم الأرض بساطا ، وروى أبو علي في روضته ، وابن الفحام أيضا التخيير فيها عن الحمامي ، أي في غير التسعة المتقدمة أولا ، وإلا فلا خلاف عنه في التسعة المذكورة ، وكذا روى الأهوازي ، عن رويس إدغام " جعل لكم " مطلقا يعني في الستة والعشرين كما ذكر ابن الفحام ، وانفرد الأهوازي بإدغام الباء في الباء في جميع القرآن ، عن رويس إلا قوله تعالى في سورة الأنعام : " ولا نكذب بآيات ربنا " وانفرد عبد الباري في إدغام فتلقى آدم من ربه في البقرة ولا نكذب بآيات ربنا في الأنعام ، وانفرد القاضي أبو العلاء عنه أيضا بإدغام أن تقع على الأرض في الحج وطبع على قلوبهم جميع ما في القرآن ، وجاوزه هو ، وانفرد ابن العلاف بإدغام " ومن عاقب بمثل ما " في الحج ، وذكر صاحب " المصباح " ، عن رويس وروح وغيرهما وجميع رواة يعقوب إدغام كل ما أدغمه أبو عمرو من حروف المعجم ، أي : من المثلين والمتقاربين ، وذكره شيخ شيوخنا الأستاذ أبو حيان في كتابه المطلوب [ ص: 303 ] في قراءة يعقوب ، وبه قرأنا على أصحابنا عنه ، وربما أخذنا عنه به ، وحكاه الإمام أبو الفضل الرازي ، واستشهد به للإدغام مع تحقيق الهمز .

                                                          ( قلت ) : هو رواية الزبيري ، عن روح ورويس وسائر أصحابه ، عن يعقوب . ( تنبيه ) إذا ابتدئ ليعقوب بقوله : تتمارى المتقدمة ، ولرويس بقوله : تتفكروا ابتدئ بالتاءين جميعا مظهرتين لموافقة الرسم والأصل ، فإن الإدغام إنما يتأتى في الوصل ، وهذا بخلاف الابتداء بتاءات البزي الآتية في البقرة ، فإنها مرسومة بتاء واحدة ، فكان الابتداء كذلك موافقة للرسم ، فلفظ الجميع في الوصل واحد ، والابتداء مختلف لما ذكرنا ، والله أعلم .

                                                          وبقي من هذا الباب خمسة أحرف .

                                                          ( الأول ) : بيت طائفة منهم في النساء أدغم التاء منه في الطاء أبو عمرو وحمزة ، وليس إدغامه لأبي عمرو كإدغام باقي الباب ، بل كل أصحاب أبي عمرو مجمعون على إدغامه من أدغم منهم الإدغام الكبير ، ومن أظهره ، وكذلك قال الداني : ولم يدغم أبو عمرو من الحروف المتحركة إذا قرأ بالإظهار سواه . انتهى ، كما ذكرنا في التاء من المتقاربين ، وقد قدمنا أن بعضهم جعله عنده من السواكن ، ولم يجعله من الكبير .

                                                          ( الثاني ) أتعدانني في الأحقاف أدغم النون هشام عن ابن عامر ، وهي قراءة الحسن ، وحكاها أبو حاتم ، عن نافع ، ورواها محبوب ، عن أبي عمرو وسلام ومحبوب عن ابن كثير ، وقرأ الباقون بالإظهار ، وكلهم كسر النون الأولى .

                                                          ( الثالث ) : أتمدونني بمال في النمل أدغم النون في النون حمزة ويعقوب ، وقرأ الباقون بالإظهار ، وهي بنونين في جميع المصاحف ، وسيأتي الكلام على بابها في الزوائد ، ولا خلاف عمن أدغمها في مد الألف والواو للساكنين .

                                                          ( الرابع ) : قال ما مكنني في الكهف ، فقرأ ابن كثير بإظهار النونين ، وكذا في مصاحف أهل مكة ، وقرأ الباقون بالإدغام وهي في مصاحفهم بنون واحدة .

                                                          ( الخامس ) : لك لا تأمنا في يوسف ، أجمعوا على إدغامه محضا من غير إشارة ، بل يلفظ بالنون مفتوحة مشددة ، وقرأ الباقون بالإشارة واختلفوا فيها ، [ ص: 304 ] فبعضهم يجعلها روما ، فتكون حينئذ إخفاء ، ولا يتم معها الإدغام الصحيح كما قدمنا في إدغام أبي عمرو ، وبعضهم يجعلها إشماما ، فيشير إلى ضم النون بعد الإدغام ، فيصح معه حينئذ الإدغام كما تقدم ، وبالأول قطع الشاطبي ، وقال الداني : إنه هو الذي ذهب إليه أكثر العلماء من القراء النحويين ، قال : وهو الذي أختاره وأقول به . قال : وهو قول أبي محمد اليزيدي وأبي حاتم النحوي وأبي بكر بن مجاهد وأبي الطيب أحمد بن يعقوب التائب وأبي طاهر بن أبي هاشم وأبي بكر بن أشتة وغيرهم من الجلة ، وبه ورد النص ، عن نافع من طريق ورش ، انتهى .

                                                          وبالقول الثاني قطع سائر أئمة أهل الأداء من مؤلفي الكتب ، وحكاه أيضا الشاطبي - رحمه الله تعالى - وهو اختياري ؛ لأني لم أجد نصا يقتضي خلافه ولأنه الأقرب إلى حقيقة الإدغام وأصرح في اتباع الرسم ، وبه ورد نص الأصبهاني وانفرد ابن مهران ، عن قالون بالإدغام المحض كقراءة أبي جعفر ، وهي رواية أبي عون عن الحلواني وأبي سليمان وغيره ، عن قالون ، والجمهور على خلافه ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية