الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون

                                                                                                                                                                                                                                      ولتصغى إليه ; أي : إلى زخرف القول ، وهو على الوجه الأول علة أخرى للإيحاء معطوفة على غرورا ، وما بينهما اعتراض ، وإنما لم ينصب لفقد شرطه ; إذ الغرور فعل الموحي ، وصغو الأفئدة فعل الموحى إليه ; أي : يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغرهم به ولتميل إليه .

                                                                                                                                                                                                                                      أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة إنما خص بالذكر عدم إيمانهم بالآخرة دون ما عداها من الأمور التي يجب الإيمان بها وهم بها كافرون ; إشعارا بما هو المدار في صغو أفئدتهم إلى ما يلقى إليهم ، فإن لذات الآخرة محفوفة في هذه النشأة بالمكاره ، وآلامها مزينة بالشهوات ، فالذين لا يؤمنون بها وبأحوال ما فيها لا يدرون أن وراء تلك المكاره لذات ، ودون هذه الشهوات آلاما ، وإنما ينظرون إلى ما بدا لهم في الدنيا بادي الرأي ، فهم مضطرون إلى حب الشهوات التي من جملها مزخرفات الأقاويل ومموهات الأباطيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما المؤمنون بها فحيث كانوا واقفين على حقيقة الحال ناظرين إلى عواقب الأمور ، لم يتصور منهم الميل إلى تلك المزخرفات لعلمهم ببطلانها ووخامة عاقبتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما على الوجهين الأخيرين فهو علة لفعل محذوف يدل عليه المقام ; أي : ولكون ذلك جعلنا ما جعلنا ، والمعتزلة جعلوا اللام لام العاقبة ، أو لام القسم ، أو لام الأمر ، وضعفه في غاية الظهور .

                                                                                                                                                                                                                                      وليرضوه لأنفسهم بعد ما مالت إليه أفئدتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وليقترفوا ; أي : يكتسبوا بموجب ارتضائهم له .

                                                                                                                                                                                                                                      ما هم مقترفون له من القبائح التي لا يليق ذكرها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية