الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وسط

                                                          وسط : وسط الشيء : ما بين طرفيه ; قال : إذا رحلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا أي اجعلوني وسطا لكم ترفقون بي وتحفظونني ، فإني أخاف إذا كنت وحدي متقدما لكم أو متأخرا عنكم أن تفرط دابتي أو ناقتي فتصرعني ، فإذا سكنت السين من وسط صار ظرفا ، وقول الفرزدق :


                                                          أتته بمجلوم كأن جبينه صلاءة ورس وسطها قد تفلقا

                                                          فإنه احتاج إليه فجعله اسما ; وقول الهذلي :


                                                          ضروب لهامات الرجال بسيفه     إذا عجمت وسط الشئون شفارها

                                                          يكون على هذا أيضا ، وقد يجوز أن يكون أراد إذا عجمت وسط الشئون شفارها الشئون أو مجتمع الشئون ، فاستعمله ظرفا على وجهه وحذف المفعول ; لأن حذف المفعول كثير ; قال الفارسي : ويقوي ذلك قول المرار الأسدي :


                                                          فلا يستحمدون الناس أمرا     ولكن ضرب مجتمع الشئون

                                                          وحكي عن ثعلب : وسط الشيء ، بالفتح ، إذا كان مصمتا ، فإذا كان أجزاء مخلخلة فهو وسط ، بالإسكان ، لا غير . وأوسطه : كوسطه ، وهو اسم كأفكل وأزمل ; قال ابن سيده وقوله :


                                                          شهم إذا اجتمع الكماة وألهمت     أفواهها بأواسط الأوتار

                                                          فقد يكون جمع أوسط ، وقد يجوز أن يكون جمع واسطا على وواسط ، فاجتمعت واوان فهمز الأولى . الجوهري : ويقال جلست وسط القوم ، بالتسكين ، لأنه ظرف ، وجلست وسط الدار ، بالتحريك ، لأنه اسم ; وأنشد ابن بري للراجز :


                                                          الحمد لله العشي والسفر     ووسط الليل وساعات أخر

                                                          قال : وكل موضع صلح فيه بين فهو وسط ، وإن لم يصلح فيه بين فهو وسط ، بالتحريك ، وقال : وربما سكن وليس بالوجه كقول أعصر بن سعد بن قيس عيلان :


                                                          وقالوا يال أشجع يوم هيج     ووسط الدار ضربا واحتمايا

                                                          قال الشيخ أبو محمد بن بري - رحمه الله - هنا شرح مفيد قال : اعلم أن الوسط ، بالتحريك ، اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه كقولك قبضت وسط الحبل وكسرت وسط الرمح وجلست وسط الدار ، ومنه المثل : يرتعي وسطا ويربض حجرة أي يرتعي أوسط المرعى وخياره ما دام القوم في خير ، فإذا أصابهم شر اعتزلهم وربض حجرة أي ناحية منعزلا عنهم ، وجاء الوسط محركا أوسطه على وزان يقتضيه في المعنى وهو الطرف ; لأن نقيض الشيء يتنزل منزلة نظيره في كثير من الأوزان نحو جوعان وشبعان وطويل وقصير ، قال : ومما جاء على وزان نظيره قولهم : الحرد ، لأنه على وزان القصد ، والحرد لأنه على وزان نظيره ، وهو الغضب . يقال : حرد يحرد حردا كما يقال قصد يقصد قصدا ، ويقال : حرد يحرد حردا كما قالوا غضب يغضب غضبا ; وقالوا : العجم لأنه على وزان العض ، وقالوا : العجم لحب الزبيب وغيره لأنه وزان النوى ، وقالوا : الخصب والجدب ; لأن وزانهما العلم والجهل ; لأن العلم يحيي الناس كما يحييهم الخصب والجهل يهلكهم كما يهلكهم الجدب ، وقالوا : المنسر لأنه على وزان المنكب ، وقالوا : المنسر لأنه على وزان المخلب ، وقالوا : أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر ، ودلوتها إذا جذبتها ، فجاء أدلى على مثال أرسل ودلا على مثال جذب ، قال : فبهذا تعلم صحة قول من فرق بين الضر والضر ولم يجعلهما بمعنى ، فقال : الضر بإزاء النفع الذي هو نقيضه ، والضر بإزاء السقم الذي هو نظيره في المعنى ، وقالوا : فاد يفيد جاء على وزان ماس يميس إذا تبختر ، وقالوا : فاد يفود على وزان نظيره ، وهو مات يموت ، والنفاق في السوق جاء على وزان الكساد ، والنفاق في الرجل جاء على وزان الخداع ، قال : وهذا النحو في كلامهم كثير جدا ; قال : واعلم أن الوسط قد يأتي صفة ، وإن كان أصله أن يكون اسما من جهة أن أوسط الشيء أفضله وخياره كوسط المرعى خير من طرفيه ، وكوسط الدابة للركوب خير من طرفيها لتمكن الراكب ; ولهذا قال الراجز :


                                                          إذا ركبت فاجعلاني وسطا

                                                          ومنه الحديث : خيار الأمور أوساطها ; ومنه قوله تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف ; أي على شك فهو على طرف من دينه غير متوسط فيه ولا متمكن ، فلما كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة ، وذلك في مثل قوله تعالى وتقدس : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ; أي عدلا ، فهذا تفسير الوسط وحقيقة معناه ، وأنه اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه ، قال : وأما الوسط ، بسكون السين ، فهو ظرف لا اسم جاء على وزان نظيره في المعنى وهو بين ، تقول : جلست وسط القوم أي بينهم ; ومنه قول أبي الأخزر الحماني :


                                                          سلوم لو أصبحت وسط الأعجم

                                                          [ ص: 209 ] أي بين الأعجم ; وقال آخر :


                                                          أكذب من فاختة     تقول وسط الكرب


                                                          والطلع لم يبد لها     هذا أوان الرطب

                                                          وقال سوار بن المضرب :


                                                          إني كأني أرى من لا حياء له     ولا أمانة وسط الناس عريانا

                                                          وفي الحديث : أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط القوم أي بينهم ، ولما كانت بين ظرفا كانت وسط ظرفا ، ولهذا جاءت ساكنة الأوسط لتكون على وزانها ، ولما كانت بين لا تكون بعضا لما يضاف إليها بخلاف الوسط الذي هو بعض ما يضاف إليه كذلك وسط لا تكون بعض ما تضاف إليه ، ألا ترى أن وسط الدار منها ووسط القوم غيرهم ؟ ومن ذلك قولهم : وسط رأسه صلب ; لأن وسط الرأس بعضها ، وتقول : وسط رأسه دهن فتنصب وسط على الظرف وليس هو بعض الرأس ، فقد حصل لك الفرق بينهما من جهة المعنى ومن جهة اللفظ ; أما من جهة المعنى فإنها تلزم الظرفية وليست باسم متمكن يصح رفعه ونصبه على أن يكون فاعلا ومفعولا وغير ذلك بخلاف الوسط ، وأما من جهة اللفظ فإنه لا يكون من الشيء الذي يضاف إليه بخلاف الوسط أيضا ; فإن قلت : قد ينتصب الوسط على الظرف كما ينتصب الوسط كقولهم : جلست وسط الدار ، وهو يرتعي وسطا ، ومنه ما جاء في الحديث : أنه كان يقف في صلاة الجنازة على المرأة وسطها ; فالجواب : أن نصب الوسط على الظرف إنما جاء على جهة الاتساع والخروج عن الأصل على حد ما جاء الطريق ونحوه ، وذلك في مثل قوله :


                                                          كما عسل الطريق الثعلب

                                                          وليس نصبه على الظرف على معنى بين كما كان ذلك في وسط ، ألا ترى أن وسطا لازم للظرفية وليس كذلك وسط ؟ بل اللازم له الاسمية في الأكثر والأعم ، وليس انتصابه على الظرف ، وإن كان قليلا في الكلام ، على حد انتصاب الوسط في كونه بمعنى بين ، فافهم ذلك . قال : واعلم أنه متى دخل على وسط حرف الوعاء خرج عن الظرفية ورجعوا فيه إلى وسط ويكون بمعنى وسط كقولك : جلست في وسط القوم في وسط رأسه دهن ، والمعنى فيه مع تحركه كمعناه مع سكونه إذا قلت : جلست وسط القوم ووسط رأسه دهن ، ألا ترى أن وسط القوم بمعنى وسط القوم ؟ إلا أن وسطا يلزم الظرفية ولا يكون إلا اسما ، فاستعير له إذا خرج عن الظرفية الوسط على جهة النيابة عنه ، وهو في غير هذا مخالف لمعناه ، وقد يستعمل الوسط الذي هو ظرف اسما ويبقى على سكونه كما استعملوا بين اسما على حكمها ظرفا في نحو قوله تعالى : لقد تقطع بينكم ; قال القتال الكلابي :


                                                          من وسط جمع بني قريظ بعدما     هتفت ربيعة يا بني جواب

                                                          وقال عدي بن زيد :


                                                          وسطه كاليراع أو سرج المج     دل حينا يخبو وحينا ينير

                                                          وفي الحديث : الجالس وسط الحلقة ملعون ، قال : الوسط ، بالتسكين ، يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب وغير ذلك ، فإذا كان متصل الأجزاء كالدر والرأس فهو ، بالفتح . وكل ما يصلح فيه بين فهو بالسكون ، وما لا يصلح فيه بين فهو ، بالفتح ; وقيل : كل منهما يقع موقع الآخر ، قال : وكأنه الأشبه ، قال : وإنما لعن الجالس وسط الحلقة لأنه لا بد وأن يستدبر بعض المحيطين به فيؤذيهم فيلعنونه ويذمونه . ووسط الشيء : صار بأوسطه ; قال غيلان بن حريث :


                                                          وقد وسطت مالكا وحنظلا     صيابها والعدد المجلجلا

                                                          قال الجوهري : أراد وحنظلة ، فلما وقف جعل الهاء ألفا لأنه ليس بينهما إلا الههة وقد ذهبت عند الوقف فأشبهت الألف كما قال امرؤ القيس :


                                                          وعمرو بن درماء الهمام إذا غدا     بذي شطب عضب كمشية قسورا

                                                          أراد قسورة . قال : ولو جعله اسما محذوفا منه الهاء لأجراه ; قال ابن بري : إنما أراد حريث بن غيلان وحنظل لأنه رخمه في غير النداء ثم أطلق القافية ، قال : وقول الجوهري جعل الهاء ألفا وهم منه . ويقال : وسطت القوم أسطهم وسطا وسطة أي توسطتهم . ووسط الشيء وتوسطه : صار في وسطه . ووسوط الشمس : توسطها السماء . وواسط الرحل وواسطته ; الأخيرة عن اللحياني : ما بين القادمة والآخرة . وواسط الكور : مقدمه ; قال طرفة :


                                                          وإن شئت سامى واسط الكور رأسها     وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد

                                                          وواسطة القلادة : الدرة التي في وسطها ، وهي أنفس خرزها ; وفي الصحاح : واسطة القلادة الجوهر الذي هو في وسطها ، وهو أجودها ، فأما قول الأعرابي للحسن : علمني دينا وسوطا لا ذاهبا فروطا ولا ساقطا سقوطا ، فإن الوسوط ههنا المتوسط بين الغالي والتالي ، ألا تراه قال لا ذاهبا فروطا ؟ أي ليس ينال وهو أحسن الأديان ; ألا ترى إلى قول علي - رضوان الله عليه - : خير الناس هذا النمط الأوسط يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي ؟ قال الحسن للأعرابي : خير الأمور أوساطها ; قال ابن الأثير في هذا الحديث : كل خصلة محمودة فلها طرفان مذمومان ، فإن السخاء وسط بين البخل والتبذير ، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور ، والإنسان مأمور أن يتجنب كل وصف مذموم ، وتجنبه بالتعري منه والبعد منه ، فكلما ازداد منه بعدا ازداد منه تقربا ، وأبعد الجهات والمقادير والمعاني من كل طرفين وسطهما ، وهو غاية البعد منهما ، فإذا كان في الوسط فقد بعد عن الأطراف المذمومة بقدر الإمكان . وفي الحديث : الوالد أوسط أبواب الجنة أي خيرها . يقال : هو من أوسط قومه أي خيارهم . وفي الحديث : أنه كان من أوسط قومه أي من أشرفهم وأحسبهم . وفي حديث رقيقة : انظروا رجلا وسيطا أي حسيبا في [ ص: 210 ] قومه ، ومنه سميت الصلاة الوسطى لأنها أفضل الصلوات وأعظمها أجرا ، ولذلك خصت بالمحافظة عليها ، وقيل : لأنها وسط بين صلاتي الليل وصلاتي النهار ، ولذلك وقع الخلاف فيها فقيل العصر ، وقيل الصبح ، وقيل بخلاف ذلك ، وقال أبو الحسن : والصلاة الوسطى يعني صلاة الجمعة لأنها أفضل الصلوات ، قال : ومن قال خلاف هذا فقد أخطأ إلا أن يقوله برواية مسندة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . ووسط في حسبه وساطة وسطة ووسط ووسط ; ووسطه : حل وسطه أي أكرمه ; قال :


                                                          يسط البيوت لكي تكون ردية     من حيث توضع جفنة المسترفد

                                                          ووسط قومه في الحسب يسطهم سطة حسنة . الليث : فلان وسيط الدار والحسب في قومه ، وقد وسط وساطة وسطة ووسط توسيطا ; وأنشد :


                                                          وسطت من حنظلة الأصطما

                                                          وفلان وسيط في قومه إذا كان أوسطهم نسبا وأرفعهم مجدا ; قال العرجي :


                                                          كأني لم أكن فيهم وسيطا     ولم تك نسبتي في آل عمرو

                                                          والتوسيط : أن تجعل الشيء في الوسط . وقرأ بعضهم : فوسطن به جمعا ; قال ابن بري : هذه القراءة تنسب إلى علي - كرم الله وجهه - وإلى ابن أبي ليلى ، وإبراهيم بن أبي عبلة . والتوسيط : قطع الشيء نصفين . والتوسط من الناس : من الوساطة ، ومرعى وسط أي خيار ; قال :


                                                          إن لها فوارسا وفرطا     ونفرة الحي ومرعى وسطا

                                                          ووسط الشيء وأوسطه : أعدله ، ورجل وسط ووسيط : حسن من ذلك . وصار الماء وسيطة إذ غلب الطين على الماء ; حكاه اللحياني عن أبي طيبة . ويقال أيضا : شيء وسط أي بين الجيد والرديء . وفي التنزيل العزيز : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ; قال الزجاج : فيه قولان : قال بعضهم وسطا عدلا ، وقال بعضهم خيارا ، واللفظان مختلفان والمعنى واحد ; لأن العدل خير والخير عدل ، وقيل في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنه كان من أوسط قومه أي خيارهم ، تصف الفاضل النسب بأنه من أوسط قومه ، وهذا يعرف حقيقته أهل اللغة ; لأن العرب تستعمل التمثيل كثيرا ، فتمثل القبيلة بالوادي والقاع وما أشبهه ، فخير الوادي وسطه ، فيقال : هذا من وسط قومه ومن وسط الوادي وسرر الوادي وسرارته وسره ، ومعناه كله من خير مكان فيه ، وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - من خير مكان في نسب العرب ، وكذلك جعلت أمته أمة وسطا أي خيارا . وقال أحمد بن يحيى : الفرق بين الوسط والوسط أنه ما كان يبين جزء من جزء فهو وسط مثل الحلقة من الناس والسبحة والعقد ، قال : وما كان مصمتا لا يبين جزء من جزء فهو وسط مثل وسط الدار والراحة والبقعة ; وقال الليث : الوسط مخففة يكون موضعا للشيء كقولك زيد وسط الدار ، وإذا نصبت السين صار اسما لما بين طرفي كل شيء ; وقال محمد بن يزيد : تقول وسط رأسك دهن يا فتى لأنك أخبرت أنه استقر في ذلك الموضع فأسكنت السين ونصبت لأنه ظرف ، وتقول وسط رأسك صلب لأنه اسم غير ظرف ، وتقول ضربت وسطه لأنه المفعول به بعينه ، وتقول حفرت وسط الدار بئرا إذا جعلت الوسط كله بئرا ، كقولك حرثت وسط الدار ; وكل ما كان معه حرف خفض فقد خرج من معنى الظرف وصار اسما كقولك سرت من وسط الدار ; لأن الضمير لمن ، وتقول قمت في وسط الدار كما تقول في حاجة زيد فتحرك السين من وسط لأنه ههنا ليس بظرف . الفراء : أوسطت القوم ووسطتهم وتوسطتهم بمعنى واحد إذا دخلت وسطهم . قال الله - عز وجل - : فوسطن به جمعا . وقال الليث : يقال وسط فلان جماعة من الناس وهو يسطهم إذا صار وسطهم ; قال : وإنما سمي واسط الرحل واسطا لأنه وسط بين القادمة والآخرة ، وكذلك واسطة القلادة ، وهي الجوهرة التي تكون في وسط الكرس المنظوم . قال أبو منصور في تفسير واسط الرحل ولم يتثبته : وإنما يعرف هذا من شاهد العرب ومارس شد الرحال على الإبل ، فأما من يفسر كلام العرب على قياسات الأوهام فإن خطأه يكثر ، وللرحل شرخان وهما طرفاه مثل قربوسي السرج ، فالطرف الذي يلي ذنب البعير آخرة الرحل ومؤخرته ، والطرف الذي يلي رأس البعير واسط الرحل ، بلا هاء ، ولم يسم واسطا لأنه وسط بين الآخرة والقادمة كما قال الليث : ولا قادمة للرحل بتة إنما القادمة الواحدة من قوادم الريش ، ولضرع الناقة قادمان وآخران ، بغير هاء ، وكلام العرب يدون في الصحف من حيث يصح ، إما أن يؤخذ عن إمام ثقة عرف كلام العرب وشاهدهم ، أو يقبل من مؤد ثقة يروي عن الثقات المقبولين ، فأما عبارات من لا معرفة له ولا أمانة فإنه يفسد الكلام ويزيله عن صيغته ; قال : وقرأت في كتاب ابن شميل في باب الرحل قال : وفي الرحل واسطه وآخرته وموركه ، فواسطه مقدمه الطويل الذي يلي صدر الراكب ، وأما آخرته فمؤخرته وهي خشبته الطويلة العريضة التي تحاذي رأس الراكب ، قال : والآخرة والواسط الشرخان . ويقال : ركب بين شرخي رحله ، وهذا الذي وصفه النضر كله صحيح لا شك فيه . قال أبو منصور : وأما واسطة القلادة فهي الجوهرة الفاخرة التي تجعل وسطها . والإصبع الوسطى . وواسط : موضع بين الجزيرة ونجد ، يصرف ولا يصرف . وواسط : موضع بين البصرة والكوفة ، وصف به لتوسطه ما بينهما وغلبت الصفة وصار اسما كما قال :


                                                          ونابغة الجعدي بالرمل بيته     عليه تراب من صفيح موضع

                                                          قال سيبويه : سموه واسطا لأنه مكان وسط بين البصرة والكوفة ، فلو أرادوا التأنيث قالوا واسطة ، ومعنى الصفة فيه وإن لم يكن في لفظه لام . قال الجوهري : وواسط بلد سمي ، بالقصر الذي بناه الحجاج بين الكوفة والبصرة ، وهو مذكر مصروف ; لأن أسماء البلدان الغالب عليها التأنيث وترك الصرف ، إلا منى والشام والعراق وواسطا ودابقا وفلجا وهجرا فإنها تذكر وتصرف ; قال : ويجوز أن تريد بها البقعة أو البلدة فلا تصرفه كما قال الفرزدق يرثي به عمرو بن عبيد الله بن معمر :

                                                          [ ص: 211 ]

                                                          أما قريش أبا حفص فقد رزئت     بالشام إذ فارقتك السمع والبصرا


                                                          كم من جبان إلى الهيجا دلفت به     يوم اللقاء ولولا أنت ما صبرا


                                                          منهن أيام صدق قد عرفت بها     أيام واسط والأيام من هجرا

                                                          وقولهم في المثل : تغافل كأنك واسطي ; قال المبرد : أصله أن الحجاج كان يتسخرهم في البناء فيهربون وينامون وسط الغرباء في المسجد ، فيجيء الشرطي فيقول : يا واسطي ، فمن رفع رأسه أخذه وحمله فلذلك كانوا يتغافلون . والوسوط من بيوت الشعر : أصغرها . والوسوط من الإبل : التي تجر أربعين يوما بعد السنة ; هذه عن ابن الأعرابي ، قال : فأما الجرور فهي التي تجر بعد السنة ثلاثة أشهر ، وقد ذكر ذلك في بابه . والواسط : الباب ، هذلية .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية