الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ تمم ]

                                                          تمم : تم الشيء يتم تما وتما وتمامة وتماما وتمامة وتماما وتماما وتمة ، وأتمه غيره وتممه واستتمه بمعنى ، وتممه الله تتميما وتتمة ، وتمام الشيء وتمامته وتتمته : ما تم به . قال الفارسي : تمام الشيء ما تم به ، بالفتح لا غير ، يحكيه عن أبي زيد . وأتم الشيء وتم به يتم : جعله تاما ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          إن قلت يوما نعم بدءا ، فتم بها فإن إمضاءها صنف من الكرم .



                                                          وفي الحديث : " أعوذ بكلمات الله التامات " ، قال ابن الأثير : إنما وصف كلامه بالتمام ؛ لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الناس ، وقيل : معنى التمام ههنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه . وفي حديث دعاء الأذان : " اللهم رب هذه الدعوة التامة " ، وصفها بالتمام لأنها ذكر الله ويدعى بها إلى عبادته ، وذلك هو الذي يستحق صفة الكمال والتمام . وتتمة كل شيء : ما يكون تمام غايته كقولك : هذه الدراهم تمام هذه المائة وتتمة هذه المائة . والتم : الشيء التام ، وقوله - عز وجل - : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ; قال الفراء : يريد فعمل بهن ، والكلمات عشر من السنة : خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ، فالتي في الرأس : الفرق وقص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك ، وأما التي في الجسد : فالختانة ، وحلق العانة ، وتقليم الأظفار ، ونتف الرفغين ، والاستنجاء بالماء . ويقال : تم إلى كذا وكذا أي : بلغه ، قال العجاج :


                                                          لما دعوا يال تميم تموا     إلى المعالي ، وبهن سموا .



                                                          وفي حديث معاوية : إن تممت على ما تريد ، قال ابن الأثير : هكذا روي مخففا وهي بمعنى المشدد . يقال : تم على الأمر وتمم عليه ، بإظهار الإدغام ، أي : استمر عليه . وقوله في الحديث : تتامت إليه قريش ، أي : أجابته وجاءته متوافرة متتابعة . وقوله - عز وجل - : وأتموا الحج والعمرة لله ، قيل : إتمامهما تأدية كل ما فيهما من الوقوف والطواف وغير ذلك . وولد فلان لتمام ولتمام ، بالكسر . وليل التمام ، بالكسر لا غير ، أطول ما يكون من ليالي الشتاء ، ويقال : هي ثلاث ليال لا يستبان زيادتها من نقصانها ، وقيل : هي إذا بلغت اثنتي عشرة ساعة فما زاد ، قال امرؤ القيس :


                                                          فبت أكابد ليل التما     م ، والقلب من خشية مقشعر .



                                                          وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم الليلة التمام فيقرأ سورة البقرة وآل عمران وسورة النساء ولا يمر بآية إلا دعا الله فيها ، قال ابن شميل : ليل التمام أطول ما يكون من الليل ، ويكون لكل نجم هوي من الليل يطلع فيه حتى تطلع كلها فيه ، فهذا ليل التمام . ويقال : سافرنا شهرنا ليل التمام لا نعرسه ، وهذه ليالي التمام ، أي : شهرا في ذلك الزمان . الأصمعي : ليل التمام في الشتاء أطول ما يكون من الليل ; قال : ويطول ليل التمام حتى تطلع فيه النجوم كلها ، وهي ليلة ميلاد عيسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - والنصارى تعظمها وتقوم فيها . حكي عن أبي عمرو الشيباني أنه قال : ليل تمام إذا كان الليل ثلاث عشرة ساعة إلى خمس عشرة ساعة . ويقال لليلة أربع عشرة وهي الليلة التي يتم فيها القمر ليلة التمام ، بفتح التاء . وقال أبو عمرو : ليل التمام ستة أشهر : ثلاثة أشهر حين يزيد على ثنتي عشرة ساعة ، وثلاثة أشهر حين يرجع ; قال : وسمعت ابن الأعرابي يقول : كل ليلة طالت عليك فلم تنم فيها فهي ليلة التمام أو هي كليلة التمام . ويقال : ليل تمام وليل تمام ، على الإضافة ، وليل التمام وليل تمامي أيضا ، وقال الفرزدق :


                                                          تماميا ، كأن شآميات     رجحن بجانبيه من الغئور .



                                                          وقال ابن شميل : ليلة السواء ليلة ثلاث عشرة وفيها يستوي القمر ، وهي ليلة التمام . وليلة تمام القمر ، هذا بفتح التاء ، والأول ، بالكسر . ويقال : رئي الهلال لتم الشهر ، وولدت المرأة لتم وتمام وتمام إذا ألقته وقد تم خلقه . وحكى ابن بري عن الأصمعي : ولدته للتمام ، بالألف واللام ، قال : ولا يجيء نكرة إلا في الشعر . وأتمت المرأة وهي متم : دنا ولادها . وأتمت الحبلى ، فهي متم إذا تمت أيام حملها . وفي حديث أسماء : خرجت وأنا متم ، يقال : امرأة متم للحامل إذا [ ص: 239 ] شارفت الوضع ، وولد المولود لتمام وتمام . وأتمت الناقة ، وهي متم : دنا نتاجها . وأتم النبت : اكتهل . وأتم القمر : امتلأ فبهر ، وهو بدر تمام وتمام وبدر تمام . قال ابن دريد : ولد الغلام لتم وتمام وبدر تمام وكل شيء بعد هذا فهو تمام ، بالفتح . غيره : وقمر تمام وتمام إذا تم ليلة البدر . وفي التنزيل العزيز : ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ; قال الزجاج : يجوز أن يكون تماما على المحسن ، أراد تماما من الله على المحسنين ، ويجوز تماما على الذي أحسنه موسى من طاعة الله واتباع أمره ، ويجوز تماما على الذي هو أحسن الأشياء ، وتماما منصوب مفعول له ، وكذلك وتفصيلا لكل شيء ، المعنى : آتيناه لهذه العلة أي : للتمام والتفصيل ; قال : والقراءة على الذي أحسن ، بفتح النون ; قال : ويجوز أحسن على إضمار الذي هو أحسن ، وأجاز القراء أن يكون أحسن في موضع خفض ، وأن يكون من صفة الذي ، وهو خطأ عند البصريين لأنهم لا يعرفون الذي إلا موصولة ولا توصف إلا بعد تمام صلتها . والمستتم في شعر أبي دواد : هو الذي يطلب الصوف والوبر ليتم به نسج كسائه ، والموهوب تمة ، قال ابن بري : صوابه عن أبي زيد ، والجمع تمم ، بالكسر ، وهو الجزة من الصوف أو الشعر أو الوبر ، وبيت أبي دواد هو قوله :


                                                          فهي كالبيض ، في الأداحي ، لا يو     هب منها لمستتم عصام .



                                                          أي : هذه الإبل كالبيض في الصيانة ، وقيل : في الملاسة لا يوهب منها لمستتم أي : لا يوجد فيها ما يوهب لأنها قد سمنت وألقت أوبارها ; قال : والمستتم الذي يطلب التمة ، والعصام : خيط القربة . والمتتمم : المتكسر ، قال الشاعر :


                                                          إذا ما رآها رؤية هيض قلبه     بها ، كانهياض المتعب المتتمم .



                                                          وتمم على الجريح : أجهز . وتم على الشيء : أكمله ، قال الأعشى :


                                                          فتم على معشوقة لا يزيدها     إليه ، بلاء السوء ، إلا تحببا .



                                                          قال ابن سيده : وقول أبي ذؤيب :


                                                          فبات بجمع ثم ثاب إلى منى     فأصبح رأدا يبتغي المزج بالسحل .



                                                          قال : أراه يعني بتم : أكمل حجه . واستتم النعمة : سأل إتمامها . وجعله تما أي : تماما . وجعلته لك تما أي : بتمامه . وتمم الكسر فتمم وتتمم : انصدع ولم يبن ، وقيل : إذا انصدع ثم بان . وقالوا : أبى قائلها إلا تما وتما وتما ، ثلاث لغات ، أي : تماما ، ومضى على قوله ولم يرجع عنه ، والكسر أفصح ، قال الراعي :


                                                          حتى وردن لتم خمس بائص     جدا ، تعاوره الرياح وبيلا .



                                                          بائص : بعيد شاق ، ووبيلا : وخيما . والتميم : الطويل ; وأنشد بيت العجاج :


                                                          لما دعوا يال تميم تموا .



                                                          والتميم : التام الخلق . والتميم : الشاد الشديد . والتميم : الصلب ; قال :


                                                          وصلب تميم يبهر اللبد جوزه     إذا ما تمطى في الحزام تبطرا .



                                                          أي : يضيق عنه اللبد لتمامه ، وقيل : التميم التام الخلق الشديده من الناس والخيل . وفي حديث سليمان بن يسار : الجذع التام التم يجزئ ، قال ابن الأثير : يقال تم وتم بمعنى التام ، ويروى الجذع التام التمم ، فالتام الذي استوفى الوقت الذي يسمى فيه جذعا وبلغ أن يسمى ثنيا ، والتمم التام الخلق ، ومثله خلق عمم . والتميم : العوذ ، واحدتها تميمة . قال أبو منصور : أراد الخرز الذي يتخذ عوذا . والتميمة : خرزة رقطاء تنظم في السير ثم يعقد في العنق ، وهي التمائم والتميم ، عن ابن جني ، وقيل : هي قلادة يجعل فيها سيور وعوذ ، وحكي عن ثعلب : تممت المولود علقت عليه التمائم . والتميمة : عوذة تعلق على الإنسان ، قال ابن بري : ومنه قول سلمة بن الخرشب :


                                                          تعوذ بالرقى من غير خبل     وتعقد في قلائدها التميم .



                                                          قال : والتميم جمع تميمة ، وقال رفاع بن قيس الأسدي :


                                                          بلاد بها نيطت علي تمائمي     وأول أرض مس جلدي ترابها .



                                                          وفي حديث ابن عمرو : ما أبالي ما أتيت إن تعلقت تميمة . وفي الحديث : " من علق تميمة فلا أتم الله له " ، ويقال : هي خرزة كانوا يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء ; قال : وأما المعاذات إذا كتب فيها القرآن وأسماء الله تعالى فلا بأس بها . والتميمة : قلادة من سيور ، وربما جعلت العوذة التي تعلق في أعناق الصبيان . وفي حديث ابن مسعود : التمائم والرقى والتولة من الشرك . قال أبو منصور : التمائم واحدتها تميمة ، وهي خرزات كان الأعراب يعلقونها على أولادهم ينفون بها النفس والعين بزعمهم ، فأبطله الإسلام ، وإياها أراد الهذلي بقوله :


                                                          وإذا المنية أنشبت أظفارها     ألفيت كل تميمة لا تنفع .



                                                          وقال آخر :


                                                          إذا مات لم تفلح مزينة بعده     فنوطي عليه يا مزين ، التمائما .



                                                          وجعلها ابن مسعود من الشرك لأنهم جعلوها واقية من المقادير والموت ، وأرادوا دفع ذلك بها وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه ، فكأنهم جعلوا له شريكا فيما قدر وكتب من آجال العباد والأعراض التي تصيبهم ، ولا دافع لما قضى ولا شريك له - تعالى وتقدس - فيما قدر . قال أبو منصور : ومن جعل التمائم سيورا فغير مصيب ، وأما قول الفرزدق :


                                                          وكيف يضل العنبري ببلدة [ ص: 240 ]     بها قطعت عنه سيور التمائم ؟



                                                          فإنه أضاف السيور إلى التمائم لأن التمائم خرز تثقب ويجعل فيها سيور وخيوط تعلق بها . قال : ولم أر بين الأعراب خلافا أن التميمة هي الخرزة نفسها ، وعلى هذا مذهب قول الأئمة ، وقول طفيل :


                                                          فإلا أمت أجعل لنفر قلادة     يتم بها نفر قلائده قبل .



                                                          قال : أي : عاذه الذي كان تقلده قبل ، قال : يتم يحطها تميمة خرز قلائده إلى الواسطة ، وإنما أراد أقلده الهجاء . ابن الأعرابي : تم إذا كسر وتم إذا بلغ ، وقال رؤبة :


                                                          في بطنه غاشية تتممه .



                                                          قال شمر : الغاشية ورم يكون في البطن ، وقال : تتممه أي : تهلكه وتبلغه أجله ، وقال ذو الرمة :


                                                          كانهياض المعنت المتتمم .



                                                          يقال : ظلع فلان ثم تتمم تتمما أي : تم عرجه كسرا ، من قولك تم إذا كسر . والمتم : منقطع عرق السرة . والتمم والتمم من الشعر والوبر والصوف : كالجزز ، الواحدة تمة . قال ابن سيده : فأما التم فأراه اسما للجمع . واستتمه : طلب منه التمم ، وأتمه : أعطاه إياها . ابن الأعرابي : التم الفأس ، وجمعه تممة . والتام من الشعر : ما يمكن أن يدخله الزحاف فيسلم منه ، وقد تم الجزء تماما ، وقيل : المتمم كل ما زدت عليه بعد اعتدال البيت ، وكانا من الجزء الذي زدته عليه نحو فاعلاتن في ضرب الرمل ، سمي متمما لأنك تممت أصل الجزء . ورجل متمم إذا فاز قدحه مرة بعد مرة فأطعم لحمه المساكين . وتممهم : أطعمهم نصيب قدحه ، حكاه ابن الأعرابي ، وأنشد قول النابغة :


                                                          إني أتمم أيساري وأمنحهم     مثنى الأيادي ، وأكسو الجفنة الأدما

                                                          .

                                                          أي : أطعمهم ذلك اللحم . ومتمم بن نويرة : من شعرائهم شاعر بني يربوع ، قال ابن الأعرابي : سمي بالمتمم الذي يطعم اللحم المساكين والأيسار ، وقيل : التتميم في الأيسار أن ينقص الأيسار في الجزور فيأخذ رجل ما بقي حتى يتمم الأنصباء . وتميم : قبيلة ، وهو تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر قال سيبويه : من العرب من يقول هذه تميم يجعله اسما للأب ويصرف ، ومنهم من يجعله اسما للقبيلة فلا يصرف ، وقال : قالوا تميم بنت مر فأنثوا ولم يقولوا ابن . وتمم الرجل : صار هواه تميميا . وتمم : انتسب إلى تميم ، وقول العجاج :


                                                          إذا دعوا يال تميم تموا .



                                                          قال ابن سيده : أراه من هذا أي : أسرعوا إلى الدعوة . الليث : تمم الرجل إذا صار تميمي الرأي والهوى والمحلة . قال أبو منصور : وقياس ما جاء في هذا الباب تتمم ، بتاءين ، كما يقال تمضر وتنزر ، وكأنهم حذفوا إحدى التاءين استثقالا للجمع . وتتاموا أي : جاءوا كلهم وتموا . والتمتمة : رد الكلام إلى التاء والميم ، وقيل : هو أن يعجل بكلامه فلا يكاد يفهمك ، وقيل : هو أن تسبق كلمته إلى حنكه الأعلى ، والفأفاء : الذي يعسر عليه خروج الكلام ، ورجل تمتام ، والأنثى تمتامة . وقال الليث : التمتمة في الكلام أن لا يبين اللسان يخطئ موضع الحرف فيرجع إلى لفظ كأنه التاء والميم ، وإن لم يكن بينا . محمد بن يزيد : التمتمة الترديد في التاء ، والفأفأة الترديد في الفاء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية