الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة

                                                                                                          499 حدثنا إسحق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وسمرة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة ) قال في النهاية : بكر : أتى الصلاة في أول وقتها ، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه .

                                                                                                          [ ص: 9 ] قوله : ( عن سمي ) بضم السين وفتح الميم وشدة الياء هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة .

                                                                                                          قوله : ( غسل الجنابة ) . بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي غسلا كغسل الجنابة ، وهو كقوله تعالى : تمر مر السحاب ، وفي رواية عند عبد الرزاق : فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة ، وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر ، وقيل : فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه للجنابة ، والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شيء يراه ، وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم ، وعليه حمل قائل ذلك حديث من غسل واغتسل على رواية من روى غسل بالتشديد .

                                                                                                          قال النووي : ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل ، والصواب الأول ، وقد حكاه ابن قدامة عن الإمام أحمد ، وثبت أيضا عن جماعة من التابعين . وقال القرطبي : إنه أنسب الأقوال ؛ فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح ، ولعله عنى أنه باطل في المذهب ، كذا في فتح الباري .

                                                                                                          قوله : ( ثم راح ) زاد أصحاب الموطأ عن مالك : في الساعة الأولى .

                                                                                                          قوله : ( فكأنما قرب بدنة ) : قال الحافظ في فتح الباري : أي تصدق بها متقربا إلى الله ، وقيل : المراد أن للمبادرة في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان; لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة ، وفي رواية الزهري عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة : مثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة . فكأن المراد بالقربان في رواية الباب الإهداء إلى الكعبة .

                                                                                                          قال الطيبي : في لفظ الإهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة ، وأن المبادر إليها كمن ساق الهدي إلى الكعبة . والمراد بالبدنة البعير ذكرا كان أو أنثى ، والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث .

                                                                                                          وقال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر : البدنة لا تكون إلا من الإبل ، وصح ذلك عن عطاء ، وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم ، وحكى النووي عنه أنه قال : البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم . وكأنه خطأ نشأ عن سقط ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قوله : ( دجاجة ) فتح الدال أفصح من كسرها ، كذا في الصحاح وحكى الضم ، قال [ ص: 10 ] الكرماني : فإن قلت : القربان إنما هو في الغنم لا في الدجاجة والبيضة ، قلت : معنى قرب هاهنا : تصدق متقربا إلى الله تعالى بها . وقال العيني : وفيه إطلاق القربان على الدجاجة والبيضة; لأن المراد من التقرب التصدق ، ويجوز التصدق بالدجاجة والبيضة ونحوهما .

                                                                                                          قوله : ( يستمعون الذكر ) أي الخطبة ، قال النووي : مذهب مالك وكثير من أصحابه والقاضي حسين وإمام الحرمين أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس ، والروح عندهم بعد زوال الشمس ، وادعوا أن هذا معناه في اللغة ، ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وجماهير العلماء استحباب التبكير إليه أول النهار ، والرواح يكون أول النهار وآخره .

                                                                                                          قال الأزهري : لغة العرب : الرواح : الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل ، وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى; لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى ، وهو كالمهدي بدنة ، ثم من جاء في الساعة الثانية ، ثم الثالثة ، ثم الرابعة ، ثم الخامسة ، وفي رواية النسائي : السادسة ، فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدا .

                                                                                                          ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى الجمعة متصلا بعد الزوال ، وهو بعد انفصال السادسة ، فدل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال ، وكذا ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها بالاشتغال بالنفل والذكر ونحوه ، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال ، ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال ؛ لأن النداء يكون حينئذ ، ويحرم التخلف بعد النداء ، انتهى كلام النووي .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وسمرة ) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا بلفظ قال : تبعث الملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة يكتبون مجيء الناس ، فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفعت الأقلام فتقول الملائكة بعضهم لبعض : ما حبس فلانا؟ فتقول الملائكة : اللهم إن كان ضالا فاهده ، وإن كان مريضا فاشفه ، وإن كان عائلا فأغنه . وأما حديث سمرة وهو ابن جندب فأخرجه ابن ماجه بإسناد حسن بلفظ : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب مثل الجمعة ثم التبكير كأجر البقرة ، كأجر الشاة حتى ذكر الدجاجة ، وفي الباب أحاديث عديدة ذكرها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب .

                                                                                                          [ ص: 11 ] قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .




                                                                                                          الخدمات العلمية