الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الرجل يقول جعلني الله فداك

                                                                      5226 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد ح و حدثنا مسلم حدثنا هشام عن حماد يعنيان ابن أبي سليمان عن زيد بن وهب عن أبي ذر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر فقلت لبيك وسعديك يا رسول الله وأنا فداؤك

                                                                      التالي السابق


                                                                      فدى بالكسر مقصور ويفتح أيضا لكنه مرجوح على ما نقله الأزهري عن الفراء بأن الكسر مع القصر هو الراجح والفتح مرجوح

                                                                      وقال أبو علي القالي : قال الفراء : إذا فتحوا الفاء قصروا فقالوا فدى لك وإذا كسروا الفاء مدوا وربما كسروا الفاء وقصروا فقالوا هم فدى لك

                                                                      وأيضا قال أبو علي : سمعت الأخفش يقول لا يقصر الفداء بكسر الفاء إلا للضرورة وإنما المقصور هو المفتوح وقال الجوهري : الفداء إذا كسر أوله يمد ويقصر وإذا فتح فهو مقصور ، انتهى

                                                                      ويراد من هذه الجملة الدعاء على النوعين أحدهما حفظ الإنسان وإخلاصه عن النائبة ببذل المال عنه قاله الراغب كما في قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين أي على الذين يطيقونه أن يحفظوا ويخلصوا أنفسهم عن النائبة أي تكليف الصوم [ ص: 109 ] أو عذاب عدم الصوم ببذل المال عنهم وهو إطعام المسكين فكان معنى الجملة أن الله جعلني أن أحفظك عن النوائب ببذل المال عنك

                                                                      والثاني إقامة الشيء مقام الشيء في دفع المكاره قاله أبو البقاء كما في قوله تعالى وفديناه بذبح عظيم أي أقمنا ذبحا عظيما مقام إسماعيل في دفع المكروه يعني الذبح عنه فكان معنى الجملة أن الله يحفظك عن المكاره وجعلني قائما مقامك في دفعها عنك ويعرض لي ما يعرض لك من النوائب والمكاره في عوضك وهذا المعنى هو الصريح في المقصود تقول العرب فداك أبي وأمي ، أي أبي وأمي ينوبان منابك في دفع المكروه عنك وأنشد الأصمعي للنابغة :


                                                                      مهلا فداء لك الأقوام كلهم وما أثمر من مال ومن ولد



                                                                      أي الأقوام كلهم وجميع الأموال والأولاد ينوبون منابك في دفع المكاره عنك ويعرض لهم في عوضك ما يعرض لك من النوائب والمكاره وأنت تسلم وتحفظ منها

                                                                      وقد ترجم البخاري باب قول الرجل فداك أبي وأمي وباب قول الرجل جعلني الله فداءك انتهى

                                                                      قال الحافظ : أي هل يباح أو يكره وقد استوعب الأخبار الدالة على الجواز أبو بكر بن أبي عاصم وجزم بجواز ذلك فقال للمرء أن يقول ذلك لسلطانه ولكبيره ولذوي العلم ولمن أحب من إخوانه غير محظور عليه ذلك بل يثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه ولو كان ذلك محظورا لنهى النبي صلى الله عليه وسلم قائل ذلك ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يقال لأحد غيره وكذا أخرجه البخاري في الأدب المفرد في الترجمة قال الطبراني : في هذه الأحاديث دليل على جواز قول ذلك انتهى

                                                                      ( فقلت لبيك وسعديك ) يجيء معناه في باب الرجل ينادي الرجل فيقول [ ص: 110 ] لبيك وأنا فداك وفي بعض النسخ فداؤك وفي نسخة المنذري : جعلني الله فداك مكان وأنا فداك قال في مجمع البحار بكسر فاء وفتحها مدا وقصرا وقال الحافظ في فتح الباري تحت قوله فاغفر فدى لك ما اقتفينا قال المازري : لا يقال الله فداء لك لأنها كلمة تستعمل عند توقع مكروه لشخص فيختار شخص آخر أن يحل به دون ذلك الآخر ويفديه فهو إما مجاز عن الرضا كأنه قال نفسي مبذولة لرضاك أو هذه الكلمة وقعت خطابا لسامع الكلام انتهى وفي الحديث دليل جواز قول جعلني الله فداك أو أنا فداؤك والحديث سكت عنه المنذري .




                                                                      الخدمات العلمية