الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وسواء أقام أحدهما شاهدا وامرأتين والآخر عشرة إن كان بعضهم أرجح من بعض " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا أقام كل واحد من المتداعيين بينة على ما تنازعاه من العين ، ولم يكن لواحد منهما يد ، وترجحت بينة أحدهما على بينة الآخر ، بكثرة العدد ، وكانت بينة أحدهما شاهدين ، وبينة الآخر عشرة ، أو ترجحت بزيادة العدالة ، فكانت بينة أحدهما أظهر زهدا ، وأوفر تحرجا فهما في التعارض سواء ، ولا يغلب الحكم بالبينة الزائدة في العدد والعدالة ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه .

                                                                                                                                            وقال مالك : المرجحة بزيادة العدد ، وقوة العدالة أولى ، والحكم بها أحق .

                                                                                                                                            [ ص: 307 ] حكاه الشافعي في القديم ، فخرجه بعض أصحابه قولا ثانيا ، ونفاه أكثرهم عنه .

                                                                                                                                            وحكي عن الأوزاعي أنه قال : أقسم الشيء المشهود فيه على عدد البينتين ، فإذا كانت إحداهما شاهدين والأخرى أربعة قسمت المشهود فيه أثلاثا ، فجعلت لصاحب الشاهدين سهما ، ولصاحب الأربعة سهمين .

                                                                                                                                            فأما مالك فاستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عليكم بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الجماعة أبعد " ، ولأن النفس إلى زيادة العدد أسكن ، وبقوة العدالة أوثق ، ولذلك رجحت بها أخبار الرسول ، إذا تعارضت ، فوجب أن ترجح بها الشهادات إذا تعارضت .

                                                                                                                                            وأما الأوزاعي ، فاستدل له بأن المشهود فيه مستحق بقولهم ، فاقتضى أن يكون مقسطا على عددهم .

                                                                                                                                            والدليل على التسوية بينهم أن الله تعالى نص على عدد الشهادة بقوله : واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) [ البقرة : 282 ] . وبقوله تعالى : وأشهدوا ذوي عدل منكم ) [ الطلاق : 2 ] . فمنع النص من الاجتهاد في الزيادة ، والنقصان .

                                                                                                                                            ولأن لما جاز الاقتصار على الشاهدين مع وجود من هو أكثر ، وعلى قبول العدل مع من هو أعدل ، دل على أن لا تأثير لزيادة العدد ، وزيادة العدالة .

                                                                                                                                            ولأن ما تقدر بالشرع لم يختلف حكمه بالزيادة والنقصان كدية الحر ، وما تقدر بالاجتهاد ، اختلف حكمه بالزيادة والنقصان ، كقيمة العبد ، وبهما فرقنا في الأخبار المتعارضة بين زيادة العدد ، ونقصانه ، لعدم النص في عدده وسوينا في الشهادات المتعارضة ، بين الزيادة والنقصان ، لورود النص في عدده وفيما ذكرناه انفصال عما استدلوا به .

                                                                                                                                            وقول الأوزاعي أوهى ، لأنه لو ثبت الحق بشهادة عشرة ، ثم ثبت قضاؤه بشاهدين قضى بهما على شهادة العشرة ، ولم يقسط القضاء على العدد كذلك في إثبات الحق ، وهو حجة ، على مالك أيضا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية