الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              4084 3 - باب ما جاء في إسبال الإزار

                                                              513 \ 3925 - عن أبي جري جابر بن سليم رضي الله عنه ، قال : رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه، لا يقول شيئا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: عليك السلام يا رسول الله، مرتين، قال : لا تقل: عليك السلام; فإن عليك السلام تحية الميت، قل : السلام عليك.

                                                              قال: قلت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر - أو فلاة - فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك.

                                                              قال: قلت: اعهد إلي، قال: لا تسبن أحدا، قال: فما سببت بعده حرا ولا عبدا، ولا بعيرا ولا شاة. قال: ولا تحقرن شيئا من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه
                                                              .

                                                              وأخرجه النسائي والترمذي ، وقال: حسن صحيح.

                                                              [ ص: 62 ] وقد أشكل هذا على طائفة، وقالوا: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تحية الموتى: السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، فقدم السلام على المسلم عليه، ثم قالوا: وهذا أصح من حديث أبي جري هذا، فالأخذ به أولى.

                                                              وهذا ليس بشيء، ولا تعارض بين الحديثين، [فإن] قوله صلى الله عليه وسلم: عليك السلام تحية الموتى ، إخبار عن الواقع مقرونا بالنهي عنه، وليس إخبارا عن المشروع، [فإنهم كانوا في] عادة الجاهلية في تحية الأموات يقدمون اسم الميت على الدعاء، كقول قائلهم:


                                                              عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما



                                                              والسنة في السلام، تقديم التحية على المدعو له في الأحياء والأموات فيقال: السلام عليكم للميت، كما يقال للحي: سلام عليكم، وكما لا يقال في سلام الأحياء: عليكم السلام، فكذلك لا يقال في سلام الأموات.

                                                              وكأن الذي تخيله القوم من الفرق أن المسلم على [المرء]، لما كان يتوقع الجواب و[أن] يقال له: عليك السلام بدأوا باسم السلام على المدعو له توقعا لقوله: وعليك السلام. وأما الميت فلما لم يتوقعوا منه ذلك قدموا المدعو له على الدعاء فقالوا: عليك السلام .

                                                              [ ص: 63 ]

                                                              التالي السابق


                                                              [ ص: 63 ] قال ابن القيم رحمه الله: وهذا الفرق - إن صح - فهو دليل على التسوية بين الأحياء والأموات في السلام، فإن المسلم على أخيه الميت يتوقع جوابه أيضا.

                                                              قال ابن عبد البر: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما من رجل يمر بقبر أخيه، كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه، حتى يرد عليه السلام .

                                                              وفيه أيضا نكتة حسنة، وهي أن الدعاء بالسلام دعاء بخير، والأحسن في دعاء الخير: أن يقدم الدعاء على المدعو له، كقوله تعالى: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت : وقوله وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ، وقوله: سلام عليكم بما صبرتم ، وأما الدعاء بالشر: فيقدم فيه المدعو عليه على الدعاء غالبا، كقوله لإبليس : وإن عليك لعنتي ، وقوله : وإن عليك اللعنة ، وقوله : عليهم دائرة السوء ، وقوله : وعليهم غضب ولهم عذاب شديد .

                                                              وسره أنه في الدعاء بالخير، يقدم اسم الدعاء المحبوب المطلوب الذي [ ص: 64 ] تشتهيه النفوس، فيبده القلب والسمع ذكر اسم المحبوب المطلوب، ثم يتبعه بذكر المدعو له.

                                                              وأما في الدعاء عليه، ففي تقديم المدعو عليه إيذان باختصاصه، بذلك الدعاء كأنه قيل له: هذا لك وحدك، لا يشركك فيه السامع، بخلاف الدعاء بالخير، فإن المطلوب عمومه، وكلما عمم به الداعي كان أفضل، فلما كان التقديم مؤذنا بالاختصاص ترك،ولهذا يقدم إذا أريد الاختصاص، كقوله: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية