الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الركن الرابع في السمعيات وتصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه ومداره على عشرة أصول .

الأصل الأول .

الحشر والنشر وقد ورد بهما الشرع وهو حق والتصديق بهما واجب لأنه في العقل ممكن ومعناه الإعادة بعد الإفناء وذلك مقدور لله تعالى كابتداء الإنشاء قال الله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فاستدل بالابتداء على الإعادة وقال عز وجل ما : " خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " والإعادة ابتداء ثان فهو ممكن كالابتداء الأول .

التالي السابق


وإذ قد علمت ما تقدم فاعلم أنه إذا ثبتت نبوته صلى الله عليه وسلم ثبتت نبوة سائر الأنبياء; لثبوت كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم; لأنه صادق في مقالته، ونبوتهم من جملته، وما أخبر به هو المراد بالسمعيات في كتب أصول الدين، ولذا أعقب المصنف وقال:

* (الركن الرابع في السمعيات) * أي ما يتوقف على السمع من الاعتقادات التي لا يستقل العقل بإثباتها (وتصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عنه) من أمور الغيب جملا وتفصيلا; فإن كان بما يعلم تفصيله وجب اعتقاده، وإن كان لم يعلم تفصيله وجب أن نؤمن به جملة، ونكل تأويله إلى الله، ورسوله، ومن اختصه الله بالاطلاع على ذلك .

قال ابن أبي شريف: وأما الإمامة وما يتعلق بها فإنه ليس من العقائد الأصلية، بل من المتممات; لأنها من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين; إذ نصب الإمام عندنا واجب على الأمة سمعا، وإنما نظم في سلك العقائد تأسيا بالمصنفين في أصول الدين، ولا يخفى أن هذا وإن تم في نصب الإمام لا يتم في كل مبحث الإمامة; فإن منها ما هو اعتقادي، كاعتقاد أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر.. وهكذا، وترتيب الخلفاء الأربعة في الفضل ونحو ذلك، هكذا نظمت في سلك العقائد، (و) هذا الركن أيضا (مداره) أيضا (على عشرة أصول) :

* (الأصل الأول في الحشر والنشر) * هو إحياء الخلق بعد موتهم، وسوقهم إلى موقف الحساب، ثم إلى الجنة أو النار، (وقد ورد بهما الشرع) يشير إلى ما أخرجه الشيخان من حديث ابن عباس: "إنكم محشورون إلى الله..."، الحديث، ومن حديث سهل: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء..."، الحديث، ومن حديث عائشة: "يحشرون يوم القيامة حفاة..."، الحديث، ومن حديث أبي هريرة: "يحشر الناس على ثلاثة طرائق". ولابن ماجة من حديث ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم: أفتنا في بيت المقدس. قال: "أرض المحشر والمنشر..."، الحديث، وإسناده جيد (وهو حق) ثابت بالكتاب والسنة، معلوم بالضرورة من هذا الدين (وتصديق) به (واجب) ، ولا خلاف بين الشرائع في الأصول الاعتقادية، إنما الاختلاف بينها في الفروع، فكل ما ورد في [ ص: 214 ] شريعتنا في أصول العقائد فهو كذلك في كل ملة; (لأنه في العقل ممكن) أشار به إلى دليل الجواز والإمكان، أما الجواز فإنه ضروري عند العقلاء جميعا، وأما الإمكان فإنه أمر لا يلزم منه محال لذاته، وذلك ظاهر قطعا، ولا لغيره; إذ الأصل عدم الغير، ومن ادعاه فعليه به، وكل ما كان كذلك فهو جائز ممكن، وأيضا المعدوم الممكن قابل للوجود ضرورة، فالوجود الأول حاصل في الابتداء، إن أفاده فزيادة استعداد لقبول الوجود على ما هو شأن سائر القوابل من تحصيل ملكة قبول الاتصاف; لأجل حصول المناسبة بالفعل، فقد صارت قابليته للوجود ثانيا أقرب، وإعادته على الفاعل أهون، ويمكن أن يكون إلى هذه الإشارة بقوله تعالى: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ، وإن لم يفده زيادة الاستعداد فمعلوم بالضرورة أنه لا نقص عما هو عليه من قابلية الوجود بالذات في جميع الأوقات، وذلك هو المطلوب .

(و) اختلف أهل السنة والجماعة في (معناه) فقيل: هو (الإعادة بعد الإفناء) ، أي: الإيجاد بعد الإعدام، وقيل: هو الجمع بعد تفريق الأجزاء، وعلى الأول اتفاق أكثرهم، والعقلاء والحذاق من غيرهم، (وذلك) سواء كان القول الأول والثاني (مقدور لله تعالى كابتداء الإنشاء) أي أن المعاد مثل المبدأ، بل هو عينه; لأن الكلام في إعادة المعدوم، ويستحيل كون الشيء ممكنا في وقت، ممتنعا في وقت; للقطع بأنه لا أثر للأوقات فيما هو بالذات .

وتوقف إمام الحرمين، حيث قال: يجوز عقلا أن تعدم الجواهر ثم تعاد، وأن تبقى فتزول أعراضها المعهودة، ثم تعاد هيئتها، ولم يدل قاطع سمعي على تعيين أحدهما، ولا يبعد أن تصير أجسام العباد على صفة أجزاء التراب، ثم يعاد تركيبها على ما عهد، ولا يستحيل أن يعدم منها شيء ثم يعاد، والله أعلم .

قال ابن الهمام في المسايرة مع شرحه: والحق أن الجواهر التي منها تأليف البدن تنعدم كلها إلا بعضا منها منصوصا عليه في الحديث الصحيح، وهو عجب الذنب، فيما رواه البخاري ومسلم وأحمد وابن حبان. والمسألة عند المحققين ظنية، وممن صرح بذلك المصنف نفسه، أي الغزالي، في الاقتصاد، حيث قال: فإن قيل: فما تقولون: أتعدم الجواهر والأعراض ثم تعادان جميعا، أو تعدم الأعراض دون الجواهر وإنما تعاد الأعراض؟ قلنا: كل ذلك ممكن، ولكن ليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد هذه الممكنات، يعني أن الأدلة الواردة ظنية. اهـ .

ثم قال ابن الهمام: والحق في المسألة بحسب ما قامت عليه الأدلة وقوع الكيفيتين، إعادة ما انعدم بعينه، وتأليف ما تفرق من الأجزاء إلا الوجه، فإنه إنما يكون كذا بعينه، أو كذا للحكم باستحالة خلافه; لأن خلافه ممكن لشمول القدرة الإلهية لكل الممكنات، وكل منها أمر ممكن، أما إمكان تأليف ما تفرق فظاهر، كما مر، وأما إمكان إعادة ما انعدم فلأن الإعادة إحداث، كالإبداع الأول، وغايته طريان العدم على المبدع أولا، لا تغييره، كأنه لم يحدث، وقد تعلقت القدرة بإيجاده من عدمه الطارئ، ومعنى الإعادة الموجود ثانيا هو الموجود الأول، بل هو بعدها عينه، لا مثله; لأن وجود عينه أولا إنما كان على وفق تعلق العلم بوجوده، والغرض أن الموجودات بعد طريان العدم عليها ثابتة في العلم، متعلقة في الأزل بإيجادها لوقت وجودها. اهـ .

والدليل على جواز الإعادة ما أشار إليه نصوص الكتاب وفحوى الخطاب من نسبة الإعادة بالنشأة الأولى; إذ ما جاز على الشيء جاز على مثله (قال الله تعالى) : وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ، ( قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ) وهو بكل خلق عليم ، (فاستدل بالابتداء على الإعادة) اعلم أن الإعادة لا تستدعي إلا أمرين، أحدهما: إمكان المعاد في نفسه، وإمكان الممكنات لنفسها، أو لازم نفسها، ولازم النفس لا يفارق، والألزم التسلسل، والثاني: عموم العلم والقدرة والإرادة، وقد ثبت عمومها لله تعالى، وقد نبه الله تعالى على هذه الدلالة بالآية المذكورة، فهي مع إيجازها قد دلت على صحة الإعادة، وعلى الجواب عن شبه المنكرين، أما وجه الدلالة فقوله: ونسي خلقه ، وقوله: قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ، وأما شبه الخصوم فمنها استبعادهم إحياءها بعد اختلاطها، وورد ذلك بقوله: وهو بكل خلق عليم ، ومن شبههم أيضا أنها إذا صارت ترابا فقد تغير طبعها عن طبع الحياة إلى الضد، فقطع هذا الاستبعاد بقوله: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا .

ومن شبههم قول [ ص: 215 ] الفلاسفة أن المعاد الجسماني باطل، لامتناع عدم السموات والأرض؛ ورد ذلك بقوله " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم "، (وقال عز وجل : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " والإعادة ابتداء ثان) أي: إيجاد من عدم لم يسبقه وجود، (فهو ممكن كابتداء الأول) وليس ممتنعا لذاته ولا لشيء من لوازم ذاته وإلا لم يقع ابتداء، وكذلك الوجود الثانى، وإذا لم يمتنع لذلك، ولا شبهة فى انتفاء وجوبه فيكون ممكنا وهو المطلوب، وقد تقدم وقد شهدت قواطع بالحشر، والنشر، والانبعاث للحساب، والعرض، والعقاب، والثواب، وذلك مذكور فى الكتاب العزيز على وجه لا يقبل التأويل في نحو ستمائة موضع .



(تنبيه) *

قال شارح الحاجبية: اعلم أن المراد بالإعادة البدنية إنما هو الأجزاء الأصلية التي هي حاصله وباقيه من أول العمر إلى آخره لا الأجزاء الزائدة التي تحصل من الغذاء فينمو بها البدن زيادة، أو تذهب من المرض فيذبل البدن نقصانا، وإلى تلك الأجزاء الأصلية الإشارة بقوله عليه السلام: "كل ابن آدم يفنى إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب". وبهذا يندفع ما قيل لو أكل إنسان إنسانا فإما أن يعادا معا أو لا، والكل باطل إما لإحالته أو مخالفته إجماعكم من أن جميع بني آدم يعادون فيقال: المعاد من الأكل والمأكول هو أجزاؤه الأصلية، وأما ما زاد على ذلك هو أصل فى غيره فيعاد إليه فيعود له إذ كل محفوظ عليه أصله فيخرجه ويرده إليه الذي يخرج الخبء فى السموات والأرض ويعلم ما يخفون وما يعلنون، لا يقال: الأجزاء الأصلية لا يفي مقدارها بمقدار ما يكون عليه الإنسان من المقدار عند الموت، مع أن المعلوم قطعا بالإجماع هو أنه لابد أن تكون الإعادة على الهيئة التى فارق عليها الإنسان الدنيا لأنا نقول الأجزاء هي المعادة لكن القادر المختار كما أنه بقدرته مد مقدار الإنسان بزيادة تلك الأجزاء الغذائية، فهو تعالى قادر على أن يمد بمقداره يوم القيامة بأجزاءأخر اختراعية حتى يحصل الهيئة فإن قيل: الشيء مع الشيء شيء غيره مع شيء آخر .

وعلى ما ذكر لا يكون البدن المعاد هو بعينه الكائن يوم الفراق بل هو مثله لا عينه مع أن الإجماع على إعادة العين، قلنا هو مثله من حيث المقدار عينه باعتبار تلك الأجزاء الأصلية، وهو المراد بالعينية، إذ لو لم يرد بالعينية ذلك لم يكن المعذب والمنعم هو عين الإنسان المفارق بل مثله لما ثبت أن الكافر يكون ضرسه فى النار كجبل أحد، وأن المؤمن يدخل فى الجنة على طول أبيه آدم عليه السلام وهو صحيح .

وبهذا التحقيق صح ما يوجد من إطلاق بعض أهل السنة كحجة الإسلام، والعز بن عبد السلام، من أن المعاد مثل البدن مع اتفاق أهل السنة على أن المعاد هو بدن الإنسان بعينه، وأن المراد بذلك البدن عينا هو البدن المركب من الأجزاء الأصلية الباقية من أول تعلق الروح إلى انفصالها فى الدنيا. والمراد بالمثل هو البدن المركب من تلك الأجزاء الأصلية مع الأجزاء المزادة عليه الاختراعية فلا تعارض اهـ. قلت: هذه المسألة اختلف فيها بين أهل السنة، قيل: إن الحشر جسماني فقط، وهذا بناء على القول بأن الروح جسم لطيف سار في البدن، كماء الورد في الورد، فالمعاد كل من الروح والبدن جسم، فلا يعاد إلا الجسم، وعليه أكثر المتكلمين، ودليلهم قوله تعالى: فادخلي في عبادي ، والتجرد ينافيه، وعند مسلم من رواية مسروق عن ابن مسعود رفعه: "أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل.

وقيل: روحاني جسماني، بناء على القول بأن الروح جوهر مجرد، ليس بجسم ولا قوة حالة في الجسم، بل يتعلق به تعلق التدبير والتصرف، لا تفنى بفناء البدن، ترجع إلى البدن لتعلقها به، وإلى هذا القول مالأبو منصور الماتريدي وحجة الإسلام والراغب أبو زيد الدبوسي والحليمي وكثير من الصوفية والشيعة، ولهم أيضا ظواهر تمسكوا بها، والمسألة ظنية، لا قاطع فيها .

وقال شارح المقاصد: قد بالغ الإمام الغزالي في تحقيق المعاد الروحاني، وبيان أنواع الثواب والعقاب بالنسبة إلى الأرواح حتى سبق إلى كثير من الأوهام، ووقع في ألسنة العوام أنه ينكر حشر الأجساد; افتراء عليه، كيف وقد صرح به في مواضع من الإحياء وغيره، وذهب إلى أن إنكاره كفر؛ ثم قال عقب ذلك في شرح المقاصد .

[ ص: 216 ] نعم، ربما يميل كلامه وكلام كثير من القائلين بالمعاد إلى أن معنى ذلك أن يخلق الله تعالى من الأجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنا، فيعيد إليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن، ولا يضرنا كونه غير البدن الأول، بحسب الشخص، ولا امتناع إعادة المعدوم بعينه. اهـ .

وقد أنكر ابن أبي شريف أن يكون الغزالي قائلا بأن المعاد مثل الأول، وأورد نصا من الاقتصاد له، ما يدل على أنه يقول بأن المعاد عين الأول، ورد فيه على الفلاسفة قولهم بقاء النفس التي هي غير متحيزة، فليتأمل في ذلك ليتميز معتقده عن معتقد الفلاسفة .



(فصل)

وأما المحدث فحاله لا يخرج عن أحد القولين في الإعادة، إذ الأدلة السمعية متعارضة، وهو لا يخرج عن أدلة السمع، خصوصا في هذه المسألة، وأما الصوفي فيقول: لا شك أن صور الممكنات بالنسبة إلى الإنسان خير أو وسيلة إليه، ونيل ذلك لذة وكمال، وشر أو وسيلة إليه، ونيل ذلك ألم، وكل منها غير متناه، إذ مرجع ذلك إلى صور الممكنات ، وهي غير متناهية، ثم إن الله عز وجل خلق الإنسان على هيئته، بحيث يكون قابلا لنيل تلك الكمالات التي تقتضيها قواه تعلق بها ليحصل كماله، وتلك الكمالات التي تقتضيها قواه غير متناهية; إذ هي راجعة إلى صور الممكنات، وصور الممكنات التي لا تتناهى لا يمكن حصولها دفعة، يقتضي حصول ما لا يتناهى في الوجود دفعة، ولا في زمان متناه، وإلا لزم حصول ما لا يتناهى فيما يتناهى، وكل ذلك محال، ونيل تلك الكمالات لابد أن يحصل لهذا النوع الإنساني قطعا; عملا باستعداده، ولأنه لو لم يحصل فإما أن يكون لأن ذلك الحصول ممتنع، وهذا باطل، وإلا انقلب الممكن محالا، ونحن نقطع بإمكان ذلك، وإما لعدم تمكين الفاعل المختار من ذلك، وهذا أيضا محال; لما تقرر من أنه تعالى على كل شيء قدير، وأن مقدوراته لا تتناهى، وإما لعدم القبول التام الذي يكون به ذلك، وذلك أيضا باطل; لأن القبول التام داخل تحت المقدورات الكمالية; لأن ما يتوقف عليه الكمال كمال، وهو موقوف على مجرد القبول، وذلك حاصل للإنسان، نجده من نفوسنا، ثم من المعلوم قطعا أن هذا التركيب البدني الكائن في يوم الدنيا لا يمكن أن تحصل معه تلك الكمالات، لا من جهة انقضاء المدة، ولا من جهة المزاحم المضاد; فاقتضت الحكمة الإلهية وأعطت الشواهد الوجدانية، وحققت القواطع السمعية ألا يكون ذلك إلا مع تركيب آخر أبدي مناسب; لتحصيل تلك الكمالات الأبدية في زمان، ليسع تلك الممكنات، وذلك هو عود الأبدان على الصورة الآدمية الأولية في الأزمان المسماة بالدار الآخرة أخروية، ثم جعلت الدنيا مميزة لأحد الاستعدادين، إما لاستعداد نيل الخيرات، وذلك بالمعرفة بالله والعمل بطاعته، وإما لاستعداد نيل الضد، وذلك بالجهل بالله، وعدم العمل بطاعته، وإنما كان كل من العلم والجهل يعطي ذلك; لأن نور المعرفة إذا حصل أفاد تنوير جملة الإنسان، وظلمة الجهل إذا حصلت أفادت ظلمة جهل الإنسان، والنور مناسب لنور الجنة، وظلمة الجهل مناسبة لظلمة النار، فاعلم ذلك، وأما أن تكون تلك الإعادة وحصول ذلك التركيب الذي به تكون هذه الكمالات، هل هو بعد إعدام، أو بعد تفريق؟ فالكل ممكن، ولا يبعد أن يكون الواقع مشتملا على كل من ذلك، وبيان ذلك يطول، والله الهادي .




الخدمات العلمية