الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقر

                                                          وقر : الوقر : ثقل في الأذن ، بالفتح ، وقيل : هو أن يذهب السمع كله ، والثقل أخف من ذلك . وقد وقرت أذنه ، بالكسر ، توقر وقرا أي صمت ، ووقرت وقرا . قال الجوهري : قياس مصدره التحريك إلا أنه جاء ، بالتسكين ، وهو موقور ووقرها الله يقرها وقرا ; ابن السكيت : يقال منه وقرت أذنه على ما لم يسم فاعله ، توقر وقرا ، بالسكون ، فهي موقورة ، ويقال : اللهم قر أذنه . قال الله تعالى : وفي آذاننا وقر . وفي حديث علي - عليه السلام - : تسمع به بعد الوقرة ; هي المرة من الوقر بفتح الواو : ثقل السمع . والوقر ، بالكسر : الثقل يحمل على ظهر أو على رأس . يقال : جاء يحمل وقره ، وقيل : الوقر الحمل الثقيل ، وعم بعضهم به الثقيل والخفيف وما بينهما ، وجمعه أوقار ; وقد أوقر بعيره وأوقر الدابة إيقارا وقرة شديدة ، الأخيرة شاذة ، ودابة وقرى : موقرة ; قال النابغة الجعدي :


                                                          كما حل عن وقرى وقد عض حنوها بغاربها حتى أراد ليجزلا

                                                          قال ابن سيده : أرى وقرى مصدرا على فعلى كحلقى وعقرى ، وأراد : حل عن ذات وقرى ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه . قال : وأكثر ما استعمل الوقر في حمل البغل والحمار والوسق في حمل البعير . وفي حديث عمر والمجوس : فألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق ; الوقر بكسر الواو : الحمل يريد حمل بغل أو حملين أخلة من الفضة كانوا يأكلون بها الطعام فأعطوها ليمكنوا من عادتهم في الزمزمة ; ومنه الحديث : لعله أوقر راحلته ذهبا أي حملها وقرا . ورجل موقر : ذو وقر ; أنشد ثعلب :


                                                          لقد جعلت تبدو شواكل منكما     كأنكما بي موقران من الجمر

                                                          وامرأة موقرة : ذات وقر . الفراء : امرأة موقرة ، بفتح القاف ، إذا حملت حملا ثقيلا . وأوقرت النخلة أي كثر حملها ; ونخلة موقرة وموقر وموقرة وموقر وميقار ; قال

                                                          [ الحبيب القشيري ] :


                                                          من كل بائنة تبين عذوقها     منها وحاضنة لها ميقار

                                                          قال الجوهري : نخلة موقر على غير القياس ; لأن الفعل ليس للنخلة ، وإنما قيل موقر ، بكسر القاف ، على قياس قولك امرأة حامل ; لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء ، فأما موقر ، بالفتح ، فشاذ ، قد روي في قول لبيد يصف نخلا :


                                                          عصب كوارع في خليج محلم     حملت فمنها موقر مكموم

                                                          [ ص: 257 ] والجمع مواقر ; وأما قول قطبة بن الخضراء من بني القين :


                                                          لمن ظعن تطالع من ستار     مع الإشراق كالنخل الوقار



                                                          قال ابن سيده : ما أدري ما واحده ، قال : ولعله قدر نخلة واقرا أو وقيرا فجاء به عليه . واستوقر وقره طعاما : أخذه . واستوقر إذا حمل حملا ثقيلا . واستوقرت الإبل : سمنت وحملت الشحوم . قال :


                                                          كأنها من بدن واستيقار     دبت عليها عرمات الأنبار



                                                          وقوله - عز وجل - : فالحاملات وقرا ، يعني السحاب يحمل الماء الذي أوقرها . والوقار : الحلم والرزانة ; وقر يقر وقارا ووقارة ووقر قرة وتوقر واتقر : ترزن . وفي الحديث : لم يسبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكنه بشيء وقر في القلب ، وفي رواية : لسر وقر في صدره أي سكن فيه وثبت من الوقار والحلم والرزانة ، وقد وقر يقر وقارا ; والتيقور : فيعول منه ، وقيل : لغة في التوقير ، قال : والتيقور الوقار ، وأصله ويقور ، قلبت الواو تاء ; قال العجاج :


                                                          فإن يكن أمسى البلى تيقوري



                                                          أي أمسى وقاري ، ويروى :


                                                          فإن أكن أمسي البلى تيقوري



                                                          وفي يكن على هذا ضمير الشأن والحديث ، والتاء فيه مبدلة من واو ، قيل : كان في الأصل ويقورا فأبدل الواو تاء حمله على فيعول ، ويقال حمله على تفعول ، مثل التذنوب ونحوه ، فكره الواو مع الواو ، فأبدلها تاء لئلا يشتبه بفوعول فيخالف البناء ، ألا ترى أنهم أبدلوا الواو حين أعربوا فقالوا نيروز ، ورجل وقار ووقور ووقر ; قال العجاج يمدح عمر بن عبيد الله بن معمر :


                                                          هذا أوان الجد إذ جد عمر

                                                          وصرح ابن معمر لمن ذمر

                                                          منها :


                                                          بكل أخلاق الشجاع قد مهر     ثبت إذا ما صيح بالقوم وقر



                                                          قوله ثبت أي هو ثبت الجنان في الحرب وموضع الخوف . ووقر الرجل من الوقار يقر ، فهو وقور ، ووقر يوقر ، ومرة وقور . ووقر وقرا جلس . وقوله تعالى : وقرن في بيوتكن ، قيل : هو من الوقار ، وقيل : هو من الجلوس ، وقد قلنا إنه من باب قر يقر ويقر ، وعللناه في موضعه من المضاعف . الأصمعي : يقال وقر يقر وقارا إذا سكن . قال الأزهري : والأمر قر ، ومنه قوله تعالى : وقرن في بيوتكن . قال : ووقر يوقر والأمر منه أوقر ، وقرئ : وقرن ، بالفتح ، فهذا من القرار كأنه يريد اقررن ، فتحذف الراء الأولى للتخفيف وتلقى فتحتها على القاف ، ويستغنى عن الألف بحركة ما بعدها ، ويحتمل قراءة من قرأ ، بالكسر أيضا أن يكون من اقررن ، بكسر الراء على هذا ، كما قرئ : فظلتم تفكهون ، بفتح الظاء وكسرها ، وهو من شواذ التخفيف . ووقر الرجل : بجله . وتعزروه وتوقروه ، والتوقير : التعظيم والترزين . التهذيب : وأما قوله تعالى : ما لكم لا ترجون لله ; فإن الفراء قال : ما لكم لا تخافون لله عظمة . ووقرت الرجل إذا عظمته . وفي التنزيل العزيز : وتعزروه وتوقروه . والوقار : السكينة والوداعة . ورجل وقور ووقار ومتوقر : ذو حلم ورزانة . ووقر الدابة : سكنها ; قال :


                                                          يكاد ينسل من التصدير     على مدالاتي والتوقير



                                                          والوقر : الصدع في الساق . والوقر والوقرة : كالوكتة أو الهزمة تكون في الحجر أو العين أو الحافر أو العظم ، والوقرة أعظم من الوكتة . الجوهري : الوقرة أن يصيب الحافر حجر أو غيره فينكبه ، تقول منه : وقرت الدابة ، بالكسر ، وأوقرها الله مثل رهصت وأرهصها الله ; قال العجاج :


                                                          وأبا حمت نسوره الأوقارا



                                                          ويقال في الصبر على المصيبة : كانت وقرة في صخرة يعني ثلمة وهزمة أي أنه احتمل المصيبة ولم تؤثر فيه إلا مثل تلك الهزمة في الصخرة . ابن سيده وقد وقر العظم وقرا ، فهو موقور ووقير . ورجل وقير : به وقرة في عظمه أي هزمة ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          حياء لنفسي أن أرى متخشعا     لوقرة دهر يستكين وقيرها



                                                          لوقرة دهر أي لخطب شديد أتيقن في حالة كالوقرة في العظم . الأصمعي : يقال ضربه ضربة وقرت في عظمه أي هزمت ، وكلمته كلمة وقرت في أذنه أي ثبتت . والوقرة تصيب في الحافر ، وهي أن تهزم العظم . والوقر في العظم : شيء من الكسر ، وهو الهزم ، وربما كسرت يد الرجل أو رجله إذا كان بها وقر ثم تجبر فهو أصلب لها ، والوقر لا يزال واهنا أبدا . ووقرت العظم أقره وقرا : صدعته ; قال الأعشى :


                                                          يا دهر قد أكثرت فجعتنا     بسراتنا ووقرت في العظم



                                                          والوقير والوقيرة : النقرة العظيمة في الصخرة تمسك الماء ، وفي التهذيب : النقرة في الصخرة العظيمة تمسك الماء ، وفي الصحاح : نقرة في الجبل عظيمة . وفي الحديث : التعلم في الصبا كالوقرة في الحجر ; الوقرة : النقرة في الصخرة ، أراد أنه يثبت في القلب ثبات هذه النقرة في الحجر . ابن سيده : ترك فلان قرة أي عيالا ، وإنه عليه لقرة أي عيال ، وما علي منك قرة أي ثقل ; قال :


                                                          لما رأت حليلتي عينيه     ولمتي كأنها حليه
                                                          تقول هذا قرة عليه يا ليتني بالبحر أو بليه



                                                          والقرة والوقير : الصغار من الشاء ، وقيل : القرة الشاء والمال . والوقير : الغنم ، وفي المحكم : القطيع الضخم من الغنم ; قال اللحياني : زعموا أنها خمسمائة ، وقيل : هي الغنم عامة ; وبه فسر ابن الأعرابي قول جرير :


                                                          كأن سليطا في جواشنها الحصى     إذا حل بين الأملحين وقيرها



                                                          وقيل : هي غنم أهل السواد ، وقيل : إذا كان فيها كلابها ورعاؤها فهي وقير ; قال ذو الرمة يصف بقرة الوحش :


                                                          مولعة خنساء ليست بنعجة     يدمن أجواف المياه وقيرها



                                                          وكذلك القرة ، والهاء عوض الواو ، وقال الأغلب العجلي :


                                                          ما إن رأينا ملكا أغارا     أكثر منه قرة وقارا



                                                          قال الرمادي : دخلت على الأصمعي في مرضه الذي مات فيه [ ص: 258 ] فقلت : يا أبا سعيد ، ما الوقير ؟ فأجابني بضعف صوت فقال : الوقير الغنم بكلبها وحمارها وراعيها ، لا يكون وقيرا إلا كذلك . وفي حديث طهفة : ووقير كثير الرسل ; الوقير : الغنم ، وقيل : أصحابها ، وقيل : القطيع من الضأن خاصة ، وقيل : الغنم والكلاب والرعاء جميعا ، أي أنها كثيرة الإرسال في المرعى . والوقري : راعي الوقير ، نسب على غير قياس ; قال الكميت :


                                                          ولا وقريين في ثلة     يجاوب فيها الثؤاج اليعارا



                                                          ويروى : ولا قرويين ، نسبة إلى القرية التي هي المصر . التهذيب : والوقير الجماعة من الناس وغيرهم . ورجل موقر أي مجرب ، ورجل موقر إذا وقحته الأمور واستمر عليها . وقد وقرتني الأسفار أي صلبتني ومرنتني عليها ; قال ساعدة الهذلي يصف شهدة :


                                                          أتيح لها شثن البراثن مكزم     أخو حزن قد وقرته كلومها



                                                          لها : للنخل . مكزم قصير . حزن من الأرض : واحدتها حزنة . وفقير وقير : جعل آخره عمادا لأوله ، ويقال : يعني به ذلته ومهانته كما أن الوقير صغار الشاء ; قال أبو النجم :


                                                          نبح كلاب الشاء عن وقيرها



                                                          وقال ابن سيده : يشبه بصغار الشاء في مهانته ، وقيل : هو الذي قد أوقره الدين أي أثقله ، وقيل : هو من الوقر الذي هو الكسر ، وقيل هو إتباع . وفي صدره وقر عليك ، بسكون القاف ; عن اللحياني ، والمعروف وغر . الأصمعي : بينهم وقرة ووغرة أي ضغن وعداوة . وواقرة والوقير : موضعان ; قال أبو ذؤيب :


                                                          فإنك حقا أي نظرة عاشق     نظرت وقدس دونها ووقير



                                                          والموقر : موضع بالشام ; قال جرير :


                                                          أشاعت قريش للفرزدق خزية     

                                                          وتلك الوفود النازلون الموقرا



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية