الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) في غيبة المحكوم به عن مجلس الحكم سواء أكان بمحل ولاية الحاكم أم لا ولهذا أدخله على الترجمة المناسبة لها ، ولا فرق فيما يأتي بين حضور المدعى عليه وغيبته إذا ( ادعى عينا غائبة عن البلد ) وإن كانت في غير محل ولايته كما مر ( يؤمن اشتباهها كعقار وعبد وفرس معروفات ) بالشهرة أو بتحديد الأول ( سمع ) القاضي ( بينته وحكم بها ) على حاضر وغائب ( وكتب إلى قاضي بلد المال ليسلمه للمدعي ) كما يسمع البينة ويحكم بها على الغائب فيما مر ، وغلب غير العاقل على خلاف القاعدة الأكثرية كقوله تعالى { يسبح لله ما في السموات وما في الأرض } فدعوى أنه خلاف الصواب غير صحيح ( ويعتمد في ) معرفة ( العقار حدوده ) الأربعة إن لم يعرف إلا بها ، وإلا فالمعرفة فيه لا تتقيد بها فقد يعرف بالشهرة التامة فلا يحتاج لذكر حد ولا غيره ، وقد لا يحتاج لذكر حدوده الأربعة بل يكتفي بثلاثة وأقل منها ، فقول الروضة وأصلها يكفي ثلاثة محمول على ما إذا تميز بها ، ولهذا قال ابن الرفعة إن تميز بحد كفى ، ويشترط أيضا ذكر بلده وسكته ومحله منها لا قيمته لحصول التميز بدونها ( أو لا يؤمن ) اشتباهها كغير المعروف مما ذكر ( فالأظهر سماع البينة ) على عينها وهي غائبة ليميزها بالصفة مع دعاء الحاجة إلى إقامة الحجة عليها كالعقار . والثاني المنع لكثرة الاشتباه ( ويبالغ ) حتما ( المدعي في الوصف ) للمثلي بما يمكن الاستقصاء به ليحصل التمييز به الحاصل غالبا بذلك ، [ ص: 276 ] واشترطت المبالغة هنا دون السلم لأنها تؤدي ثم إلى عزة الوجود المنافية لصحته ( ويذكر القيمة ) حتما أيضا في المتقوم لأنه لا يصير معلوما بدونها . واعلم أن ذكر القيمة وفي المثلي ، والمبالغة في وصف المتقوم مندوب كما قالاه هنا ، وقولهما في الدعاوى يجب وصف العين بصفة السلم دون قيمتها مثلية كانت أو متقومة محمول على عين حاضرة بالبلد يمكن إحضارها مجلس الحكم ، وقد أشاروا لذلك بتعبيرهم هنا بالمبالغة في الوصف وثم بوصف السلم ( و ) الأظهر ( أنه لا يحكم بها ) أي بما قامت البينة عليه لأن الحكم مع خطر الاشتباه والجهالة بعيد ، والحاجة تندفع بسماع البينة بها اعتمادا على صفاتها والمكاتبة بها ومقابله لا ينظر إلى ذلك ( بل يكتب إلى قاضي بلد المال بما شهدت به ) البينة ، فإن أظهر الخصم ثم عينا أخرى مشاركة لها بيده أو يد غيره أشكل الحال نظير ما مر في المحكوم عليه وإن لم يأت بدافع عمل الحاكم المكتوب إليه به حيث وجد بالصفة التي تضمنها الكتاب وحينئذ ( فيأخذه ) ممن هو عنده ( ويبعثه إلى ) القاضي ( الكاتب ليشهدوا على عينه ) ليحصل اليقين ( و ) لكن ( الأظهر أنه ) لا ( يسلمه للمدعي ) إلا ( بكفيل ) ويتجه اعتبار كونه ثقة مليئا قادرا ليطيق السفر لإحضاره وليصدق في طلبه ( ببدنه ) احتياطا للمدعى عليه حتى لو لم تعينه الشهود طولب برده ، نعم الأمة التي يحرم عليها الخلوة بها لا يرسلها معه بل مع أمين في الرفقة معه ، وظاهره أنه لا يحتاج هنا إلى نحو محرم أو امرأة ثقة تمنع الخلوة ، ولو قيل به لم يبعد إلا أن يقال : إن اعتبار ذلك يشق فسومح فيه مراعاة لفصل الخصومة ، ويندب أن يختم على العين وأن يعلق قلادة بعنق الحيوان بختم لازم لئلا يبدل بما يقع اللبس به ببيع أو نحوه ( فإن ) ذهب به إلى الحاكم الكاتب و ( شهدوا ) عنده ( بعينه كتب ببراءة الكفيل ) بعد تتميم الحكم وتسليم العين للمدعي ولم يحتج لإرسال ثان ( وإلا ) بأن لم يشهدوا بعينه ( فعلى المدعي مؤنة الرد ) كالذهاب لظهور تعديه ، وعليه مع ذلك أجرة تلك المدة إن كان له منفعة لأنه عطلها على صاحبه بغير حق ، ومقابل الأظهر أن القاضي يبيعه للمدعي ثم يقبض منه الثمن ويضعه عند عدل أو يكفله بالثمن ، فإن سلم استرد المال وبان بطلان البيع وإلا فهو صحيح ، ويسلم الثمن للمدعى عليه وهذا بيع يتولاه القاضي للمصلحة كما يبيع الضوال

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في غيبة المحكوم به عن مجلس الحكم

                                                                                                                            ( قوله : ولهذا أدخله في الترجمة ) وهي قوله كتاب القضاء على الغائب ( قوله : أو بتحديد الأول ) أي العقار ( قوله : غير صحيح ) أي أمر غير صحيح ( قوله : ومحله منها ) أي من السكة [ ص: 276 ] قوله نظير ما مر في المحكوم عليه ) أي فيأتي فيه ما مر من طلب زيادة تمييز المدعى به ( قوله ليحصل اليقين ) هو مرادف للعلم ، وفرق بعضهم بينهما فقال اليقين حكم الذهن الجازم الذي لا يتطرق إليه الشك والعلم أعم ، فلا يقال تيقنت أن الواحد نصف الاثنين ، وعلى هذا فكان الأنسب التعبير بالعلم لأن العين المعروفة للشهود لا يتطرق إلى معرفتها شك ، إلا أن يقال : جرى هنا على كلام غير هذا البعض ، أو يمنع أن الشهود لا يتطرق لهم شك في العين المرئية بعد غيبتها ( قوله : والأظهر أنه لا يسلمه ) زيادة لا مع إلا توهم أن مقابل الأظهر يقول يسلمه له بلا كفيل ، وليس مرادا كما يعلم من قوله الآتي ومقابل الأظهر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) في غيبة المحكوم به

                                                                                                                            ( قوله : ولهذا أدخله في الترجمة ) أي في باب القضاء على الغائب . وقد كتب الشهاب ابن قاسم على هذا ما لفظه يتأمل فأشار إلى التوقف في هذا الكلام ( قوله : غير صحيح ) كان الظاهر غير صحيحة ( قوله : مما ذكر ) شمل العقار فيقتضي أنه قد لا يؤمن اشتباهه ، وعبارة التحفة كغير المعروف من نحو العبيد والدواب فتفيد أن العقار لا يكون إلا مأمون الاشتباه : أي إما بالشهرة وإما بالحدود كما مر ( قوله : على عينها ) الأولى حذفه [ ص: 276 ] قوله محمول على عين حاضرة بالبلد إلخ ) تبع هنا الشهاب ابن حجر ، لكن سيأتي له ثم في الدعاوى أنه لا بد من ذكر القيمة في العين المتقومة الحاضرة أيضا ، وسيأتي أن المعول عليه ما ذكره هنا ( قوله : أو بيد غيره ) لعل المراد أنها بيد غيره وهي للمدعى عليه ( قوله مليئا ) توقف ابن قاسم في اشتراط هذا ، قال : إلا أن يراد به ما يتأتى معه السفر




                                                                                                                            الخدمات العلمية