الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            صلاة الوتر وقيام الليل عن سالم عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم سئل كيف نصلي بالليل قال ليصل أحدكم مثنى مثنى فإذا خشي الصبح فليوتر بواحدة وعن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ولأصحاب السنن الأربعة بإسناد صحيح صلاة الليل والنهار مثنى مثنى صححه البخاري وابن حبان وقال النسائي هذا عندي خطأ

                                                            [ ص: 73 ]

                                                            التالي السابق


                                                            [ ص: 73 ] (صلاة الوتر وقيام الليل)

                                                            (الحديث الأول) عن سالم عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم سئل كيف نصلي بالليل قال ليصل أحدكم مثنى مثنى فإذا خشي الصبح فليوتر بواحدة وعن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه من الطريق الأولى مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة والبخاري والنسائي وابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة والبخاري والنسائي من طريق شعيب بن أبي حمزة ومسلم والنسائي من طريق عمرو بن الحارث والنسائي من طريق محمد بن الوليد الزبيدي أربعتهم عن الزهري عنه وأخرجه من الطريق الثانية البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من طريق مالك عنهما ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق الليث عن نافع .

                                                            وروى أبو داود والترمذي من حديث عبيد الله بن عمر [ ص: 74 ] عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بادروا الصبح بالوتر وقال الترمذي حسن صحيح .

                                                            وروى الترمذي أيضا من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر مرفوعا إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فأوتروا قبل طلوع الفجر وقال سليمان بن موسى قد تفرد به على هذا اللفظ انتهى .

                                                            ورواه الحاكم في مستدركه من هذا الوجه وصحح إسناده بلفظ فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوتروا قبل الفجر ولأصل الحديث عن ابن عمر طرق كثيرة .

                                                            (الثانية) لم أقف في شيء من طرق الحديث على تعيين هذا السائل وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بينه وبين السائل فذكره وفي آخره ثم سأله رجل على رأس الحول وأنا بذلك المكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أدري هو ذلك الرجل أو رجل آخر فقال له مثل ذلك وعند النسائي من هذا الوجه أن رجلا من أهل البادية سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                            (الثالثة) قوله مثنى بفتح الميم وإسكان الثاء المثلثة وفتح النون أي اثنين اثنين وهو ممنوع من الصرف للعدل والوصف وفي صحيح مسلم عن عقبة بن حريث فقيل لابن عمر ما مثنى مثنى ؟ فقال يسلم من كل ركعتين فإن قلت إذا كان مدلول مثنى اثنين اثنين فهلا اقتصر على مرة واحدة وما فائدة تكرير ذلك ؟ قلت هو مجرد تأكيد وقوله مثنى محصل للغرض والله أعلم .

                                                            (الرابعة) فيه أن الأفضل في نافلة الليل أن يسلم من كل ركعتين وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور ورواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة والحسن البصري وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وسالم بن عبد الله بن عمر ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وغيرهم وحكاه ابن المنذر عن الليث بن سعد وحكاه ابن عبد البر عن ابن أبي ليلى وأبي ثور وداود وقال الترمذي في جامعه والعمل على هذا عند أهل العلم أن صلاة الليل مثنى مثنى وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق انتهى .

                                                            وقال أبو حنيفة الأفضل أن يصلي أربعا أربعا وإن شاء ركعتين وإن شاء ستا وإن شاء ثمانيا وتكره الزيادة على ذلك .



                                                            (الخامسة) استدل به على أنه لا يزاد في صلاة الليل على ركعتين وبه قال مالك وقال الشيخ تقي الدين [ ص: 75 ] في شرح العمدة إنه ظاهر لفظ الحديث لأن المبتدأ محصور في الخبر فاقتضى ذلك حصر صلاة الليل فيما هو مثنى وذهب الشافعي والأكثرون إلى جواز الزيادة في صلاة الليل على ركعتين وحملوا هذا الحديث على أنه بيان للأفضل لا أن غيره ممتنع فقد صح من فعله صلى الله عليه وسلم إنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها رواه الشيخان من حديث عائشة وفي الصحيحين أيضا من حديثها كان يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن الحديث وأجاب بعض المالكية عن هذين الحديثين بأن القول إذا عارضه الفعل قدم القول لاحتمال الفعل التخصيص ويرد احتمال التخصيص حديث أبي أيوب مرفوعا من شاء أوتر بخمس ومن شاء أوتر بثلاث ومن شاء أوتر بواحدة رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح ورواه الحاكم في مستدركه وصححه وأجاب بعضهم أيضا عن الحديث الأول بأن معنى قولها لا يجلس في شيء إلا في آخرهن أي جلوس قيام بمعنى أنه كان يصليهن قائما إلا الركعة الأخيرة فيجلس في محل القيام وهذا تأويل بعيد جدا والله أعلم .



                                                            (السادسة) استدل بمفهومه على أن نوافل النهار لا يسلم فيها من كل ركعتين بل الأفضل أن يصليها أربعا أربعا وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمد ورجح ذلك بفعل ابن عمر راوي الحديث فقد صح عنه أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه وعن نافع مولاه وإبراهيم النخعي ويحيى وهو ابن سعيد الأنصاري وحكاه ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه وحكاه ابن عبد البر عن الأوزاعي وذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور إلى أن الأفضل في نوافل النهار أيضا التسليم من كل ركعتين ورواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة والحسن وابن سيرين وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان وحكاه ابن المنذر عن الليث وحكاه ابن عبد البر عن ابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وداود والمعروف عن أبي يوسف ومحمد في نوافل النهار ترجيح أربع على ركعتين كما تقدم واحتج الجمهور بما رواه أصحاب السنن الأربعة وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من طريق شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى [ ص: 76 ] سكت عليه أبو داود وقال الترمذي اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم ووقفه بعضهم وقال النسائي : هذا الحديث عندي خطأ ، وسئل البخاري عن حديث يعلى هذا أصحيح هو ؟ فقال نعم .

                                                            وقال الشافعي : إنه خبر يثبت أهل الحديث مثله ، حكاه البيهقي في المعرفة وقال البيهقي في الخلافيات حديث صحيح رواته كلهم ثقات فقد احتج مسلم بعلي بن عبد الله البارقي الأزدي والزيادة من الثقة مقبولة وذكر ابن عبد البر عن مضر بن محمد قال سألت يحيى بن معين عن صلاة الليل والنهار فقال صلاة النهار أربع لا يفصل بينهن وصلاة الليل ركعتين فقلت له إن أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأي حديث ؟ فقلت بحديث شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال ومن علي الأسدي حتى أقبل منه هذا ، ، أدع يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن وآخذ بحديث علي الأزدي ، ، لو كان حديث علي الأزدي صحيحا لم يخالفه ابن عمر قال وكان شعبة ينفي هذا الحديث وربما لم يرفعه قال ابن عبد البر وحديث علي الأزدي لا نكارة فيه ولا مدفع له في شيء من الأصول لأن مالكا قد ذكر في موطآته أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أنه سمع ابن عمر يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ومن الدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد الجمعة ركعتين وقد روي قبل العصر ركعتين وقال إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين .

                                                            وكان إذا قدم من سفر نهارا صلى ركعتين وصلاة الفطر والأضحى والاستسقاء ركعتان وهذه كلها صلاة النهار وما أجمعوا عليه من هذا وجب رد ما اختلفوا فيه إليه قياسا ونظرا انتهى .

                                                            وقال الخطابي روى هذا عن ابن عمر نافع وطاوس وعبد الله بن عمر لم يذكر فيها أحد صلاة النهار إلا أن سبيل الزيادات أن تقبل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى يوم الفتح ثماني ركعات سلم [ ص: 77 ] من كل ركعتين وصلاة العيد ركعتان والاستسقاء ركعتان وهذه كلها من صلاة النهار انتهى .

                                                            وقال الدارقطني في العلل المحفوظ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى وكان ابن عمر يصلي بالنهار أربعا وإنما تعرف صلاة النهار عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن ابن عمر وخالفه نافع وهو أحفظ منه انتهى .

                                                            وأجابوا عن مفهوم الرواية المشهورة بجوابين :

                                                            (أحدهما) أنه مفهوم لقب وليس بحجة عند الأكثرين (وثانيهما) أنه خرج جوابا لسؤال من سأل عن صلاة الليل فكأن التقييد بصلاة الليل ليطابق الجواب السؤال لا لتقييد الحكم بها كيف وقد تبين برواية أخرى أن حكم المسكوت عنه وهو صلاة النهار مثل حكم المنطوق به وهو صلاة الليل وأما فعل راوي الحديث ابن عمر وهو صلاته بالنهار أربعا فقد عارضه قوله إن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد تقدم ذلك في كلام ابن عبد البر ثم إن العبرة عند الجمهور بما رواه الصحابة لا بما رآه وفعله والله أعلم .

                                                            (السابعة) وإذا قلنا بأن صلاة النهار أيضا مثنى فليس المراد بذلك أنه يتعين كونها مثنى بل الأفضل فيها ذلك وله أن يجمع بين ركعات بتسليمة واحدة وقد صرح بذلك أصحابنا وغيرهم وقال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن صلاة الليل والنهار في النافلة فقال أما الذي أختار فمثنى مثنى وإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس وأرجو أن لا يضيق عليه فذكرت له حديث يعلى بن عطاء عن علي الأزدي فقال لو كان ذلك الحديث يثبت ومع هذا فإن ابن عمر كان يصلي في تطوعه بالنهار قبل الظهر ركعتين وركعتين بعدها فهو أحب إلي وإن صلى أربعا فقد روي عن ابن عمر أنه كان يصلي أربعا بالنهار وقال ابن قدامة في المغني الصحيح أنه إن تطوع في النهار بأربع فلا بأس فعل ذلك ابن عمر ومفهوم الحديث المتفق عليه يدل على جواز الأربع لا على تفضيلها وأما حديث البارقي فإنه تفرد بزيادة لفظة النهار من بين سائر الرواة وقد رواه عن ابن عمر نحو من خمسة عشر نفسا لم يقل ذلك أحد سواه وكان ابن عمر يصلي أربعا فيدل ذلك على ضعف روايته أو على أن المراد بذلك الفضيلة مع جواز غيره انتهى .



                                                            (الثامنة) استدل به على منع التطوع بركعة فردة في غير الوتر وهو محكي عن مالك وإحدى الروايتين [ ص: 78 ] عن أحمد ومذهب الشافعي وآخرين جوازه قياسا على الوتر ولقوله عليه الصلاة والسلام الصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر صححه ابن حبان والحاكم .

                                                            وروى البيهقي وغيره أن عمر بن الخطاب مر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعة واحدة ثم انطلق فلحقه رجل فقال يا أمير المؤمنين ما ركعت إلا ركعة واحدة قال هو التطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص .



                                                            ( التاسعة ) فيه حجة على أبي حنيفة رحمه الله في منعه الوتر بركعة واحدة ومذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور جواز الوتر بركعة فردة ورواه البيهقي في سننه عن عثمان وسعد بن أبي وقاص وتميم الداري وأبي موسى الأشعري وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب الأنصاري ومعاوية وأبي حليمة معاذ بن الحارث القارئ قيل إن له صحبة ورواه ابن أبي شيبة عن أكثر هؤلاء وعن ابن مسعود وحذيفة وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وابن الزبير وعائشة وسعيد بن المسيب والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور قال وقالت طائفة يوتر بثلاث وممن روينا ذلك عنه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وأنس بن مالك وابن مسعود وابن عباس وأبو أمامة وعمر بن عبد العزيز وبه قال أصحاب الرأي قلت وليس في كلام هؤلاء الصحابة منع الوتر بركعة واحدة قال ابن المنذر وقال الثوري أعجب إلي ثلاث وأباحت طائفة الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة ثم بسط ذلك وهذا مذهب أصحابنا الشافعية أنه يحصل الوتر بركعة وبثلاث وبخمس وبسبع وبتسع وبإحدى عشرة وهو أكثره على أصح الوجهين فإن زاد لم يصح وتره فإن أراد الإتيان بثلاث ركعات فهل الأفضل فصلها بسلامين أو وصلها بسلام ؟ فيه لأصحابنا أوجه أصحها الفصل أفضل والثاني الوصل أفضل والثالث إن كان منفردا فالفصل وإن صلاها بجماعة فالوصل والرابع عكسه وهل الثلاث الموصولة أفضل من ركعة مفردة ؟ فيه أوجه ( الصحيح ) أن الثلاث أفضل .

                                                            ( والثاني ) الفردة أفضل قاله إمام الحرمين في النهاية وعلى هذا فيقال الفردة أفضل من إحدى عشرة ركعة موصولة .

                                                            ( والثالث ) إن كان منفردا فالفردة أفضل وإن كان إماما فالثلاث الموصولة وفي مصنف ابن أبي شيبة [ ص: 79 ] عن الحسن وهو البصري أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن وهذا لا يصح عن الحسن وراويه عنه عمرو بن عبيد المبتدع الضال ولا يحفظ عن أحد من التابعين حكاية الإجماع في مسألة من المسائل ؛ سمعت والدي رحمه الله يقول ذلك .



                                                            (العاشرة) استدل بقوله توتر له ما قد صلى على أن الوتر لا يصح حتى تتقدمه نافلة فلو صلى العشاء ثم أوتر بركعة قبل أن يتنفل لم يصح وتره وبهذا قال بعض أصحابنا وفي المدونة ولا يوتر بواحدة لا شفع قبلها في سفر أو حضر لكن الأصح عند أصحابنا وبه قال ابن نافع من المالكية وهو المشهور عندهم صحة الوتر في هذه الصورة ولا يتعين أن يوتر بها نفلا فقد يوتر بها فرضا وهو العشاء وفي سنن أبي داود وغيره من حديث أبي أيوب ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل وروى البيهقي في سننه أن سعد بن أبي وقاص صلى العشاء ثم صلى بعدها ركعة .

                                                            وإن أبا موسى الأشعري كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين ثم قام فصلى ركعة أوتر بها .

                                                            وعن ابن عباس أنه لما فرغ من العشاء قال لرجل ألا أعلمك الوتر ؟ فقال بلى فقام فركع ركعة .

                                                            وعن معاوية أنه صلى العشاء ثم أوتر بركعة فذكر ذلك لابن عباس فقال أصاب .



                                                            (الحادية عشرة) استدل بقوله فليوتر بواحدة على وجوب الوتر للأمر به ولا حجة فيه لأن هذا الأمر لم يرد ابتداء وإنما ورد بعد سؤال فلا يكون للوجوب وقد أمر قبله بصلاة الليل والحنفية لا يقولون بوجوبها



                                                            (الثانية عشرة) قوله فإذا خشي أحدكم الصبح دليل على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر وهو مذهب الشافعية والحنفية والجمهور إلا أن المالكية قالوا إنما يخرج بطلوع الفجر وقته الاختياري ويبقى وقته الضروري إلى صلاة الصبح هذا هو المشهور عندهم وقال أبو مصعب كالجمهور ينتهي وقته بطلوع الفجر وليس له وقت ضرورة وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن وقته يمتد إلى صلاة الصبح قال روينا عن ابن مسعود أنه قال الوتر ما بين الصلاتين وروى الوتر بعد طلوع الفجر .

                                                            عن ابن عباس وابن عمر وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وحذيفة وعائشة قال وقال مالك والشافعي وأحمد يوتر ما لم يصل الصبح ورخص الثوري والأوزاعي في الوتر بعد طلوع الفجر وقال النخعي [ ص: 80 ] والحسن والشعبي إذا صلى الغداة فلا يوتر وقال أيوب السختياني وحميد الطويل إن أكثر وترنا لبعد طلوع الفجر قلت ما حكاه عن مالك صحيح عنه لكنه يرى ما بعد الفجر وقبل صلاة الصبح وقت ضرورة لها كما تقدم وكذا مذهب أحمد فإنه سئل ألا يوتر الرجل بعد ما يطلع الفجر ؟ فقال نعم وقال ابن قدامة لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح لقوله عليه الصلاة والسلام فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى متفق عليه

                                                            ولحديث أبي هريرة مرفوعا من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر رواه ابن ماجه

                                                            انتهى .

                                                            وما حكاه عن الشافعي ليس قوله في الجديد وبه الفتوى وإنما هو قوله في القديم وحكى أبو العباس القرطبي أن مذهب الشافعي كمذهب مالك في أن وقت ضرورته من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح وليس كذلك وقال ابن عبد البر بعد ذكره امتداده إلى صلاة الصبح وهو الصواب عندي لأني لا أعلم لهؤلاء الصحابة مخالفا من الصحابة فدل إجماعهم على أن معنى الحديث في مراعاة طلوع الفجر أريد به ما لم يصل صلاة الفجر ويحتمل أيضا أن يكون ذلك لمن قصده واعتمده وأما من نام عنه حتى انفجر الصبح وأمكنه أن يصليه مع الصبح قبل طلوع الشمس فليس ممن أريد بذلك الخطاب انتهى .

                                                            ثم قال ابن المنذر وفيه قول ثالث وهو أن يصلي الوتر وإن صلى الصبح هذا قول طاوس وكان النعمان يقول عليه قضاء الوتر وإن صلى الفجر إذا لم يكن أوتر وفيه قول رابع وهو أن يصلي الوتر وإن طلعت الشمس روي هذا القول عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن والشعبي وحماد بن أبي سليمان وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وقال سعيد بن جبير من فاته الوتر يوتر بواحدة من النافلة وهذا قول خامس انتهى .

                                                            وهذه الأقوال الثلاثة الأخيرة الظاهر أنها إنما هي في صلاة الوتر قضاء وما أراد قائلوها استمرار وقتها إلى ذلك الحد أداء وفي عبارة بعضهم التصريح بذلك ومن لم يصرح به منهم فعبارته محمولة على ذلك والله أعلم قال أبو العباس القرطبي .

                                                            وقد روى أبو داود عن أبي سعيد مرفوعا من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره .

                                                            قال وهذا الظاهر يقتضي أنه يقضى دائما كالفرض ولم أر قائلا به قلت هو مذهب الشافعي وأصحابه والله أعلم



                                                            [ ص: 81 ] الثالثة عشرة) استدل به الحافظ أبو موسى المديني على امتناع التنفل بعد طلوع الفجر بغير ركعتي الفجر ، قال : إذ لو كان التنفل بعد الفجر مباحا لما كان لخشية الصبح معنى قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي بل له معنى صحيح هو المقصود من الحديث وهو أن يوقع الوتر قبل خروج وقته ولا يؤخره حتى يطلع الفجر ويدل عليه قوله عقبه في بعض طرقه واجعل آخر صلاتك وترا .



                                                            (الرابعة عشرة) فيه دليل على أن الأفضل تأخير الوتر فإنه أمر بفعله عند خشية الصبح وذلك في آخر وقته وهو كذلك فيمن وثق من نفسه بالاستيقاظ آخر الليل فإن لم يثق بالاستيقاظ فتعجيله قبل النوم أفضل كذا ذكره النووي في شرحي مسلم والمهذب وهو مقيد لما أطلقه في الروضة تبعا للرافعي من أن الأفضل في حق من لا تهجد له الإتيان بعد فريضة العشاء وراتبتها فيقال محل ذلك فيما إذا لم يثق بالاستيقاظ آخر الليل والله أعلم .



                                                            (الخامسة عشرة) ذكر ابن حزم أن الوتر وتهجد الليل ينقسم ثلاثة عشر وجها أيها فعل أجزأه قال وأفضلها أن يصلي ثنتي عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يصلي ركعة واحدة ويسلم إلى أن قال والتاسع أن يصلي أربع ركعات يتشهد ويسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة لقوله عليه الصلاة والسلام صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة ففهم أن المراد بهذا اللفظ الاقتصار على أربع ركعات وليس كذلك وإنما المراد أنه يسلم من كل ركعتين من غير حصر في هذا العدد ولهذا عقبه بقوله فإذا خشيت الصبح فدل على أنه يصلي من غير حصر بحسب ما يتيسر له من العدد إلا أنه يكون على هذا الوجه وهو السلام من كل ركعتين إلا أن يخشى الصبح فيضيق حينئذ وقت صلاة الليل فيتعين الإتيان بآخرها وخاتمتها وهو الوتر وهذا هو الذي فهمه منه جميع الناس والله أعلم .

                                                            (السادسة عشرة) مقتضاه أن يكون الوتر آخر صلاة الليل فلو أوتر ثم أراد التنفل لم يشفع وتره على الصحيح المشهور عند أصحابنا وغيرهم وقيل يشفعه بركعة ثم يصلي وإذا لم يشفعه فهل يعيد الوتر آخرا ؟ فيه خلاف عند المالكية وقال الشافعية لا يعيده لحديث لا وتران في ليلة .




                                                            الخدمات العلمية