الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون قوله تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا سبب نزولها: أن ناسا من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد . وقيل: إنه لما ذكر عري آدم ، من علينا باللباس . وفي معنى أنزلنا عليكم ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: خلقنا لكم . والثاني: ألهمناكم كيفية صنعه . والثالث: أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتخذ لباسا . وأكثر القراء قرؤوا: "وريشا" . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وزر بن حبيش ، وقتادة ، والمفضل ، وأبان عن عاصم: "ورياشا" بألف . قال الفراء: يجوز أن تكون الرياش جميع الريش . ويجوز أن تكون بمعنى الريش كما قالوا: لبس ، ولباس . [ ص: 182 ] قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      فلما كشفن اللبس عنه مسحنه بأطراف طفل زان غيلا موشما



                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس ، ومجاهد: "الرياش": المال; وقال عطاء: المال والنعيم ، وقال ابن زيد: الريش: الجمال; وقال معبد الجهني: الريش: الرزق; وقال ابن قتيبة: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس . وقال الزجاج : الريش: اللباس وكل ما ستر الإنسان في جسمه ومعيشته . يقال: تريش فلان ، أي: صار له ما يعيش به . أنشد سيبويه:


                                                                                                                                                                                                                                      رياشي منكم وهواي معكم     وإن كانت زيارتكم لماما



                                                                                                                                                                                                                                      وعلى قول الأكثرين: الريش والرياش بمعنى . قال قطرب: الريش والرياش واحد . وقال سفيان الثوري: الريش: المال ، والرياش: الثياب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولباس التقوى قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة: "ولباس التقوى" بالرفع . وقرأ ابن عامر ، ونافع ، والكسائي: بنصب اللباس . قال الزجاج : من نصب اللباس ، عطف به على الريش; ومن رفعه ، فيجوز أن يكون مبتدأ ، ويجوز أن يكون مرفوعا بإضمار: هو; المعنى: وهو لباس التقوى ، أي: وستر العورة لباس المتقين . وللمفسرين في لباس التقوى عشرة أقوال . [ ص: 183 ] أحدها: أنه السمت الحسن ، قاله عثمان بن عفان; ورواه الذيال بن عمرو عن ابن عباس . والثاني: العمل الصالح ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث: الإيمان ، قاله قتادة ، وابن جريج ، والسدي; فعلى هذا ، سمي لباس التقوى ، لأنه يقي العذاب . والرابع: خشية الله تعالى ، قاله عروة بن الزبير . والخامس: الحياء ، قاله معبد الجهني ، وابن الأنباري . والسادس: ستر العورة للصلاة ، قاله ابن زيد . والسابع: أنه الدرع ، وسائر آلات الحرب ، قاله زيد بن علي . والثامن: العفاف ، قاله ابن السائب . والتاسع: أنه ما يتقى به الحر والبرد ، قاله ابن بحر . والعاشر: أن المعنى: ما يلبسه المتقون في الآخرة ، خير مما يلبسه أهل الدنيا ، رواه عثمان بن عطاء عن أبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ذلك خير قاله ابن قتيبة: المعنى: ولباس التقوى خير من الثياب ، لأن الفاجر ، وإن كان حسن الثوب ، فهو بادي العورة; "وذلك" زائدة . قال الشاعر في هذا المعنى:


                                                                                                                                                                                                                                      إني كأني أرى من لا حياء له     ولا أمانة وسط القوم عريانا



                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأنباري: ويقال: لباس التقوى ، هو اللباس الأول ، وإنما أعاده لما أخبر عنه بأنه خير من التعري ، إذ كانوا يتعبدون في الجاهلية بالتعري في الطواف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ذلك من آيات الله قال مقاتل: يعني: الثياب والمال من آيات الله وصنعه ، لكي يذكروا ، فيعتبروا في صنعه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية