الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 409 ] 917 - باب بيان مشكل ما روي عن عقبة بن عامر في أمره إياه أن يضحي بعتود .

5719 - حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا الليث بن سعد ، حدثني ابن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على أصحابه ضحايا ، فبقي عتود ، فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ضح به أنت .

[ ص: 410 ] فقال قائل : كيف تقبلون هذا والعتود فإنما هو من صغير أولاد المعز ، وقد أجمع المسلمون أنه لا يضحى بمثله ؟ فكان جوابنا له في ذلك : أن ذلك كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة منه لعقبة بأن جعل ذلك له لا لمن سواه من الناس ، كما جعل لأبي بردة بن نيار أن يضحي بجذع من المعز على أن ذلك له خاصة ، وعلى أن لا يجزئ عن أحد بعده .

وقد ذكرنا حديث أبي بردة هذا فيما تقدم منا في كتابنا هذا .

فقال قائل : فقد روي هذا الحديث عن عقبة بن عامر بخلاف ما في هذا الحديث الذي ذكرته في هذا الباب ، وذكر .

5720 - ما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، أن بكير بن الأشج حدثه : أن معاذ بن عبد الله الجهني حدثه ، عن عقبة بن عامر أنه قال : ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذاع الضأن .

[ ص: 411 ] فكان جوابنا له في ذلك : أنه قد يحتمل أن يكون ما كان من إخبار عقبة في هذا الحديث لما كانوا ضحوا به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريد به ما كانت الجماعة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ سواه ضحوا به مما كان عقبة قسمه عليهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم اختصه هو بالرخصة فيما أمره أن يضحي به من العتود التي أمره أن يضحي بها ، مع أنا قد اعتبرنا هذا الحديث فوجدناه فاسد الإسناد مقصرا عن عقبة .

5721 - كما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني أسامة بن زيد ، حدثني معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني ، قال : سألت سعيد بن المسيب عن الجذع من الضأن ، فقال : ما كان سنة الجذع من الضأن إلا فيكم ، سأل عقبة بن عامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع من الضأن ، فقال : ضح به .

[ ص: 412 ] فعاد هذا الحديث إلى معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني ، عن سعيد بن المسيب بذكر ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضحية بالجذع من الضأن فعاد منقطعا ، وعاد الحديث المتصل عن عقبة الحديث الذي بدأنا بذكره ، وإذا كان الجذع لا يجوز إلا من الضأن خاصة في الأضحية كان إطلاق الأضحية به من غير الضأن ، مما قد دل على الخصوصية بذلك لمن أطلق له .

فإن قال قائل : فهل تجدون حديثا صحيحا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضحية من الجذع من الضأن ؟ قيل له : نعم ، قد وجدنا في ذلك حديثا صحيحا ، وهو .

5722 - ما قد حدثنا عمران بن موسى الطائي ، وعبد الله بن محمد بن خشيش البصري ، قالا : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا تذبحوا إلا مسنة [ ص: 413 ] إلا أن تعسر عليكم فاذبحوا مكانها جذعة من الضأن .

فإن قال قائل : فهذا دليل على أنه لا يجوز الأضحية بالجذعة من الضأن إلا عند عدم المسنة ، فمن أين أطلقتم الضحية بها عند وجود المسنة ؟ فكان جوابنا في ذلك :

5723 - أن يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن وهب ، أخبرني أنس بن عياض ، عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ، عن أمه ، قال : أخبرتني أم بلال الأسلمية ، عن أبيها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يجوز الجذع من الضأن ضحية إن كانت له غنم .

[ ص: 414 ] [ ص: 415 ] ففي هذا إباحة الضحية بالجذع من الضأن على كل الأحوال .

وقال قائل : قد روي عن عقبة أن الذي كان أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحي بها كان جذعا لا ما سواه ، وذكر .

5724 - ما قد حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا نعيم ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا هشام - صاحب الدستوائي - ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن بعجة بن عبد الله ، عن عقبة بن عامر ، قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا بين أصحابه ، فأصاب عقبة منها جذعة ، فقلت : يا رسول الله أضحي بها ، قال : نعم .

[ ص: 416 ] وكان في هذا الحديث ذكر الجذعة مطلقا من غير ذكر الضأن .

قلنا : هذا حديث لا يتصل بعقبة لأن بعجة بن عبد الله لا لقاء له لعقبة ، فعاد الحديث المتصل عن عقبة إلى ما رواه أبو الخير عنه ، والجذعة التي في هذا الحديث ، وفي حديث أبي الخير : هي من المعز ، وهي على الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لعقبة لا على ما سوى ذلك ، وعقبة في ذلك كأبي بردة فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص له أن يضحي به مما قد ذكرناه ما لم يرخص فيه لغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية