الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما ، واجبات الحج فخمسة : .

                                                                                                                                السعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بمزدلفة ، ورمي الجمار ، والحلق أو التقصير ، وطواف الصدر ، أما السعي فالكلام فيه يقع في مواضع : في .

                                                                                                                                بيان صفته ، وفي بيان قدره ، وفي بيان ركنه ، وفي بيان شرائط جوازه ، وفي بيان سننه ، وفي بيان ، وقته ، وفي بيان حكمه إذا تأخر عن ، وقته .

                                                                                                                                أما الأول فقد قال أصحابنا : إنه واجب ، وقال الشافعي : إنه فرض حتى لو ترك الحاج خطوة منه ، وأتى أقصى بلاد المسلمين يؤمر بأن يعود إلى ذلك الموضع فيضع قدمه عليه ، ويخطو تلك الخطوة ، وقال بعض الناس : ليس بفرض ولا ، واجب ، واحتج هؤلاء بقوله عز وجل { فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ، وكلمة لا جناح لا تستعمل في الفرائض ، والواجبات ، ويدل عليه قراءة أبي فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ، واحتج الشافعي بما روي عن صفية بنت فلان أنها سمعت امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال { إن الله تعالى كتب عليكم السعي بين الصفا ، والمروة } أي فرض عليكم ; إذ الكتابة عبارة عن الفرض كما في قوله تعالى { كتب عليكم الصيام } و { كتب عليكم القصاص } ، وغير ذلك ، ولنا قوله عز وجل { ولله على الناس حج البيت } ، وحج البيت هو زيارة البيت لما ذكرنا فيما تقدم ، فظاهره يقتضي أن يكون طواف الزيارة هو الركن لا غير ، إلا أنه زيد عليه الوقوف بعرفة بدليل ، فمن ادعى زيارة السعي فعليه الدليل وقول النبي صلى الله عليه وسلم { الحج عرفة } فظاهره يقتضي أن يكون الوقوف بعرفة كل الركن إلا أنه زيد عليه طواف الزيارة فمن ادعى زيادة السعي فعليه الدليل ، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما تم حج امرئ قط إلا بالسعي ، وفيه إشارة إلى أنه ، واجب ، وليس بفرض ; لأنها ، وصفت الحج بدونه بالنقصان لا بالفساد ، وفوت الواجب هو الذي يوجب النقصان ، فأما فوت الفرض فيوجب الفساد ، والبطلان ، ولأن الفرضية إنما ثبتت بدليل مقطوع به ، ولا يوجد ذلك في محل الاجتهاد إذا كان الخلاف بين أهل الديانة .

                                                                                                                                وأما الآية فليس المراد منها رفع الجناح على الطواف بهما مطلقا بل على الطواف بهما لمكان الأصنام التي كانت هنالك ، لما قيل إنه كان بالصفا صنم ، وبالمروة صنم ، وقيل كان بين الصفا ، والمروة أصنام فتحرجوا عن الصعود عليهما ، والسعي بينهما احترازا عن التشبه بعبادة الأصنام ، والتشبه بأفعال الجاهلية فرفع الله عنهم الجناح بالطواف بهما أو بينهما مع كون الأصنام هنالك .

                                                                                                                                وأما قراءة أبي رضي الله عنه فيحتمل أن تكون " لا " صلة زائدة ، معناه لا جناح عليه أن يطوف بينهما ; لأن " لا " قد [ ص: 134 ] تزاد في الكلام صلة كقوله تعالى { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } معناه أن تسجد فكان كالقراءة المشهورة في المعنى .

                                                                                                                                وأما الحديث فلا يصح تعلق الشافعي به على زعمه ; لأنه قال : روت صفية بنت فلان فكانت مجهولة لا ندري من هي ، والعجب منه أنه يأبى مرة قبول المراسيل لتوهم الغلط ، ويحتج بقول امرأة لا تعرف ، ولا يذكر اسمها على أنه إن ثبت فلا حجة له فيه ; لأن الكنية قد تذكر ، ويراد بها الحكم قال الله تعالى { ، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } أي في حكم الله ، وقال عز وجل كتب الله عليكم أي حكم الله عليكم فإن أريد بها الأول تكون حجة ، وإن أريد بها الثاني لا تكون حجة ; لأن حكم الله تعالى لا يقتصر على الفرضية ، بل الوجوب ، والانتداب والإباحة من حكم الله تعالى فلا يكون حجة مع الاحتمال أو نحملها على الوجوب دون الفرضية توفيقا بين الدلائل صيانة لها عن التناقض ، وإذا كان ، واجبا فإن تركه لعذر فلا شيء عليه ، وإن تركه لغير عذر لزمه دم ; لأن هذا حكم ترك الواجب في هذا الباب أصله طواف الصدر ، وأصل ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف } ، ورخص للحائض ، بخلاف الأركان فإنها لا تسقط بالعذر ; لأن ركن الشيء ذاته فإذا لم يأت به فلم يوجد الشيء أصلا كأركان الصلاة بخلاف الواجب ، ولو ترك أربعة أشواط بغير عذر فعليه دم ، والأصل أن كل ما وجب في جميعه دم يجب في أكثره دم ، أصله طواف الصدر ، ورمي الجمار ، ولو ترك ثلاثة أشواط أطعم لكل شوط نصف صاع من بر مسكينا إلا أن يبلغه ذلك دما فله الخيار ، والأصل في ذلك أن كل ما يكون في جميعه دم يكون في أقله صدقة لما نذكر إن شاء الله تعالى ، ولو ترك الصعود على الصفا والمروة يكره له ذلك ، ولا شيء عليه ; لأن الصعود عليهما سنة فيكره تركه ، ولكن لو ترك لا شيء عليه كما لو ترك الرمل في الطواف .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية