الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى

                                                                                                                                                                                                                                        (42) لما امتن الله على موسى بما امتن به من النعم الدينية والدنيوية قال له: اذهب أنت وأخوك هارون بآياتي ؛ أي: الآيات التي مني، الدالة على الحق وحسنه، وقبح الباطل، كاليد، والعصا ونحوها، في تسع آيات إلى فرعون وملئه، [ ص: 1027 ] ولا تنيا في ذكري ؛ أي: لا تفترا، ولا تكسلا عن مداومة ذكري، بل استمرا عليه والزماه، كما وعدتما بذلك: كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا فإن ذكر الله فيه معونة على جميع الأمور، يسهلها، ويخفف حملها.

                                                                                                                                                                                                                                        (43) اذهبا إلى فرعون إنه طغى ؛ أي: جاوز الحد في كفره وطغيانه وظلمه وعدوانه.

                                                                                                                                                                                                                                        (44) فقولا له قولا لينا ؛ أي: سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال،لعله بسبب القول اللين يتذكر ما ينفعه فيأتيه، أو يخشى ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وقد فسر القول اللين في قوله: فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى فإن في هذا الكلام من لطف القول وسهولته وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل فإنه أتى بـ هل الدالة على العرض والمشاورة، التي لا يشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس، التي أصلها التطهر من الشرك، الذي يقبله كل عقل سليم، ولم يقل: " أزكيك" بل قال: "تزكى" أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه الذي رباه وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، التي ينبغي مقابلتها بشكرها وذكرها فقال: وأهديك إلى ربك فتخشى فلما لم يقبل هذا الكلام اللين الذي يأخذ حسنه بالقلوب علم أنه لا ينجع فيه تذكير، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.

                                                                                                                                                                                                                                        (45) قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ؛ أي: يبادرنا بالعقوبة والإيقاع بنا قبل أن تبلغه رسالاتك، ونقيم عليه الحجة أو أن يطغى ؛ أي: يتمرد عن الحق ويطغى بملكه وسلطانه وجنده وأعوانه.

                                                                                                                                                                                                                                        (46) قال لا تخافا أن يفرط عليكما إنني معكما أسمع وأرى ؛ أي: أنتما بحفظي ورعايتي، أسمع أقوالكما، وأرى جميع أحوالكما، فلا تخافا منه، فزال الخوف عنهما، واطمأنت قلوبهما بوعد ربهما.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية