الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الثاني في شرطها وهو الحوز .

                                                                                                                وقاله الأئمة كما قلنا في الهبة والصدقة والهدية وأصله ما في الموطأ أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - وهب ابنته عائشة - رضي الله عنها - جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة ، فلما حضرته الوفاة قال : والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك ، ولا أعز علي فقرا بعدي منك ، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث ، وإنما هما أخاك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله تعالى ، فقالت : والله يا أبت لو كان كذا وكذا لتركته ، إنما هي أسماء فمن الأخرى ؟ فقال ذو بطن بنت خارجة .

                                                                                                                [ ص: 229 ] فوائد : قال صاحب المنتقى قال عيسى ( جاد عشرين وسقا ) ، أي : جداد فتكون هبة للثمرة ، أي : وهبتك عشرين مجدودة ، وقال الأسمعي : أي نخلا يجد منها ذلك ، فتكون صفة للنخل ، أي : وهبتك نخلا تجدين منه ذلك ، قال صاحب الاستذكار : فيه تفضيل بعض الولد ، وأن الحوز شرط ، وجواز هبة المشاع . قال صاحب البيان : ( جاد عشرين وسقا ) بتشديد الدال ، أي : ما يجد منه ذلك العدد ، والوسق بكسر الواو الاسم وبالفتح المصدر .

                                                                                                                سؤال : كيف يخبر عن صفة حمل امرأته وأنه أنثى ، وفي مسلم خمس لا يعلمهن إلا الله ، وتلا إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ، جوابه : الذي اختص به الله تعالى هو علم هذه بغير سبب محصل للعلم ، والصديق - رضي الله عنه - قيل علم ذلك بسبب منام رآه فلا تناقض ، قال صاحب المقدمات : إنما كان الحوز شرطا في العطاء خشية أن ينتفع الإنسان بماله عمره ثم يخرجه عن ورثته بعد وفاته وقد توعد الله تعالى من يتعدى حدود الفرائض ، فقال : تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ، وفي المسألة أربعة أقوال لا [ ص: 230 ] يشرط الحوز ، ويكفي القبول كالبيع ، وإنما لم ينفذ الصديق - رضي الله عنه - هبته ; لأنها كانت مجهولة ; لأن بيع عشرين وسقا ممتنع ، فلو كانت معلومة لنفذها ، وقال ( ش ) والأئمة لا تلزم الصدقة والهبة بالقبول وله الرجوع ولا يقضي عليه ، بل إنما يحصل الملك ويتعلق الحق بالقبض ، والفرق بين الهبة فلا تملك إلا بالقبض ويكفي في الصدقة القبول لأنها لله تعالى ، والرابع قول مالك .

                                                                                                                قاعدة

                                                                                                                العقود الناقلة للأملاك ثلاثة أقسام ، منها : ما شرع لدفع الحاجات وتحصيل المهمات فشرع لازما تاما بمجرده من غير اتصال قبض ولا غيره اتفاقا تحقيقا لتلك المقاصد العامة المحتاج إليها ، ومنها : ما شرع معروفا عند الممات وهو الوصية فشرع الرجوع فيه ترغيبا في نقل الدنيا للآخرة حينئذ ، فإن الموصي إذا علم أن له الرجوع لم يبق له مانع من الإيصاء ; لأنه إن مات لا يأسف ، وإن عاش لا يأسف بسبب القدرة على الرجوع فلو منع من الرجوع امتنع من الإيصاء خشية الندم ، وهذا متفق عليه أيضا ، وقسم اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني : وهو الهبة والصدقة والهدية والعمرى والعارية والوقف ، فإذا لاحظنا خلوها عن العوض والحاجات ينبغي أن تلحق بالوصية ، وإن لاحظنا كونها في الحياة التي هي مظنة المكافأة بأمثالها من الهبات وأنواع الثناء والمحامد وكل ذلك من مقاصد العقلاء في الحياة فهي تقوم مقام الأعراض ، فينبغي أن تلحق بالبيع ، أو نلاحظ تهمة إعراء المال عن الورثة مع شبهة البيع فنوجبها بالعقد ونبطلها بعدم القبض توفية بالشبهتين .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : تجوز في نصف دار ، أو عبد ويحل محلك ، ويكون ذلك حوزا ، [ ص: 231 ] وقاله ( ش ) وأحمد ، قال اللخمي : ومنح سحنون ، وكذلك الخلاف في الرهن ، وقال ( ح ) هبة المشاع جائزة فيما تتعذر قسمته كالجوهر والحيوان وممتنعة فيما يمكن قسمته ; لأن الحيازة لا تتم إلا بالقسمة ولم تحصل ها هنا ; ولأنه تتعذر حيازته فتمتنع هبته كصوف على ظهر الحيوان ; ولأنه غير معين فيمتنع كهبة أحد عبيده ، وبالقياس على ما إذا قال وهبتك اليوم وغدا ملكه فإن عدم القسمة تؤدي إلى المهاباة كذلك يوما بيوم ، وبالقياس على جعل الشائع مسجدا بجامع التبرع والجواب عن الأول أنه ممنوع ، بل يجوز كما يجوز في البيع بدون فسخه ، وعن الثاني أنه ممنوع فإن عندنا تجوز هبة الصوف وغيره من الغرر والمجهول وهو الجواب عن الثالث وعن الرابع أنها لم ترجع إليه في غد ، بل تملك الواهب مستمر وكذلك الموهوب ، وإنما المتوزع على الأيام المنافع كما يقوله في البيع سواء ، وعن الخامس أن الشائع لا يحصل فيه مقصود المسجد فإن الصلاة في غير المتعين متعذرة بخلاف الانتفاع بالشائع بالبيع والإجارة والسكن على سبيل المهاباة ، ثم يتأكد ما يتأكد ما قلناه بقوله تعالى إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، فتقع الهبة في نصف الصداق شائعا وقد تكون تقسم ولا تنقسم ، وفي البخاري أنه - عليه السلام - وهب هوازن ما يتعلق به وبني عبد المطلب مما غنم منهم ، وحديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - المتقدم ؛ فإن الثمر الموهوب كان شائعا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية