الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة خمس وستين

فمن الحوادث فيها شخوص التوابين إلى ابن زياد للطلب بدم الحسين عليه السلام

وذلك أن سليمان بن صرد بعث إلى رءوس أصحابه من الشيعة ، فأتوه ، فلما استهلوا هلال ربيع الآخر خرج في وجوه أصحابه إلى النخيلة فلم يعجبه عدد الناس ، فبعث حكيم بن منقذ الكندي في خيل ، وبعث الوليد بن غصين الكناني في خيل ، فقال: اذهبا حتى تدخلا الكوفة ، فناديا: يا لثارات الحسين ، فخرج منها خلق كثير ، فنظر لما أصبح في ديوانه ، فوجد الذين بايعوه على الخروج ستة عشر ألفا لم يجتمع منهم [إلا] أربعة آلاف ، فقال: أما يذكرون ما أعطونا من العهود ، فقيل له: إن المختار يثبط الناس عنك ، فأقام بالنخيلة ثلاثا يبعث إلى المتخلفين فيذكرهم الله عز وجل ، فخرج نحو من ألف رجل ، فقال له المسيب ابن نجية الفزاري: إنك لا ينفعك إلا من أخرجته النية فاكمش في أمرك . فقام فقال: والله ما نأتي غنيمة نغنمها ، ولا فيئا نستفيئه ، وما معنا من ذهب ولا فضة ، وما هي إلا سيوفنا في عواتقنا ، ورماحنا في أكفنا ، وزاد بمقدار البلغة إلى لقاء عدونا ، فمن يرى غير هذا فلا يصحبنا .

[ ص: 36 ]

فلما عزم على المسير ، قال بعض أصحابه: إن قتلة الحسين بالكوفة عمر بن سعد ورؤوس القبائل ، فأنى نذهب .

وقال آخرون: بل نقصد ابن زياد فهو الذي عبأ الجنود إليه فإن ظهرنا عليه كان من بعده أهون شوكة ، وكان عمر بن سعد في تلك الأيام لا يبيت إلا في قصر الإمارة مخافة على نفسه ، وجاء عبيد الله بن يزيد والي الكوفة إلى سليمان فقال: قم حتى نبعث معك جيشا كثيفا ، فلم يقم وأدلج عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الآخر سنة خمس وستين ، ولم يزل يسير إلى أن أتى قبر الحسين عليه السلام ، فأقام عنده يوما وليلة ، فجعل أصحابه يبكون ويتمنون لو أصيبوا معه ، وجعلوا يستغيثون: يا رب إنا خذلنا ابن بنت نبيك فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا .

ووصل كتاب عبد الله بن يزيد إلى سليمان بن صرد ، وفيه: هذا كتاب ناصح محب ، بلغني أنكم تسيرون بالعدد القليل إلى الجمع الكثير ، وإنه من يرد أن ينقل الجبال عن مراتبها تكل معاوله ، وينزع [وهو] مذموم العقل والفعل ، ومتى أصابكم عدوكم طمع في من وراءكم: إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا [18: 20] يا قوم ، إن أيدينا وأيديكم واحدة ، ومتى اجتمعت كلمتنا [نظهر] على عدونا .

فلما قرأ الكتاب على أصحابه ، قال: ما ترون؟ قالوا: إنا قد أبينا هذا عليهم ونحن في مصرنا ، فالآن حين دنونا من أرض العدو ، ما هذا برأي . فساروا مجدين إلى أن وصلوا عين وردة ، فأقاموا بها خمسا ، فأقبل أهل الشام في عساكرهم ، فقدم المسيب بن نجية فلقي أوائل القوم فأصابهم بالجراح فانهزموا فأخذوا منهم ما خف ، فبلغ الخبر ابن زياد ، فبعث الحصين بن نمير مسرعا في اثني عشر ألفا ، فاقتتلوا فكان الظفر لسليمان إلى أن حجز بينهم الليل ، فأمدهم ابن زياد بذي الكلاع في ثمانية آلاف فكثروهم ، فنزل سليمان ونادى: عباد الله ، من أراد البكور إلى ربه ، والتوبة من ذنبه ، والوفاء بعهده ، فإلي ، ثم كسر جفن سيفه ، ونزل ناس كثير ، فقاتلوا فقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة .

[ ص: 37 ]

فاكتنفهم القوم ورموهم بالنبل ، فقتل سليمان ثم المسيب ، وقتل الخلق .

فلما جن الليل ذهب فل القوم تحت الليل ، فأصبح الحصين فوجدهم قد ذهبوا ، فلم يبعث في آثارهم أحدا ، وكان قد خرج جماعة من أهل البصرة وجماعة من أهل المدائن وأهل الكوفة ، فبلغهم الخبر ، فرجعوا إلى بلادهم ، فقال المختار لأصحابه:

عدوا لغازيكم هذا أكثر من عشر ، ودون الشهر ، ثم يجيئكم بضرب هبر ، وطعن نتر ، وأن سليمان قد قضى ما عليه ، وليس بصاحبكم الذي به تنصرون ، أنا قاتل الجبارين والمنتقم من الأعداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية