الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ويل

                                                          ويل : ويل : كلمة مثل ويح إلا أنها كلمة عذاب . يقال : ويله وويلك وويلي ، وفي الندبة : ويلاه ; قال الأعشى :


                                                          قالت هريرة لما جئت زائرها ويلي عليك وويلي منك يا رجل

                                                          وقد تدخل عليه الهاء فيقال : ويلة ; قال مالك بن جعدة التغلبي :


                                                          لامك ويلة وعليك أخرى     فلا شاة تنيل ولا بعير


                                                          والويل : حلول الشر . والويلة : الفضيحة والبلية ، وقيل : هو تفجع ، وإذا قال القائل : واويلتاه ! فإنما يعني وافضيحتاه ، وكذلك تفسير قوله تعالى : يا ويلتنا مال هذا الكتاب ، قال : وقد تجمع العرب الويل بالويلات . وويله وويل له : أكثر له من ذكر الويل ، وهما يتوايلان . وويل هو : دعا بالويل لما نزل به ; قال النابغة الجعدي :


                                                          على موطن أغشي هوازن كلها     أخا الموت كظا رهبة وتويلا



                                                          وقالوا : له ويل وئل وويل وئيل ، همزوه على غير قياس ; قال ابن [ ص: 296 ] سيده : وأراها ليست بصحيحة . وويل وائل : على النسب والمبالغة لأنه لم يستعمل منه فعل ; قال ابن جني : امتنعوا من استعمال أفعال الويل والويس والويح والويب ; لأن القياس نفاه ومنع منه ، وذلك لأنه لو صرف الفعل من ذلك لوجب اعتلال فائه وعينه كوعد وباع ، فتحاموا استعماله لما كان يعقب من اجتماع إعلالين . قال ابن سيده : قال سيبويه ويل له وويلا له أي قبحا ، الرفع على الاسم والنصب على المصدر ، ولا فعل له ، وحكى ثعلب : ويل به ; وأنشد :


                                                          ويل بزيد فتى شيخ ألوذ به     فلا أعشي لدى زيد ولا أرد



                                                          أراد فلا أعشي إبلي ، وقيل : أراد فلا أتعشى . قال الجوهري : تقول ويل لزيد ، وويلا لزيد ، فالنصب على إضمار الفعل ، والرفع على الابتداء ، هذا إذا لم تضفه ، فأما إذا أضفت فليس إلا النصب لأنك لو رفعته لم يكن له خبر ; قال ابن بري : شاهد الرفع قوله - عز وجل - : ويل للمطففين ; وشاهد النصب قول جرير :


                                                          كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها     فويلا لتيم من سرابيلها الخضر


                                                          وفي حديث أبي هريرة : إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله ، الويل : الحزن والهلاك والمشقة من العذاب ، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، ومعنى النداء فيه يا حزني ، ويا هلاكي ، ويا عذابي احضر ، فهذا وقتك وأوانك ، فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع ، وهو الندم على ترك السجود لآدم - عليه السلام - ، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على المعنى ، وعدل عن حكاية قول إبليس : يا ويلي كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه ، قال : وقد يرد الويل بمعنى التعجب . ابن سيده : وويل كلمة عذاب . غيره : وفي التنزيل العزيز : ويل للمطففين و ويل لكل همزة ; قال أبو إسحاق : ويل رفع بالابتداء والخبر للمطففين ، قال : ولو كانت في غير القرآن لجاز ويلا على معنى جعل الله لهم ويلا ، والرفع أجود في القرآن والكلام ; لأن المعنى قد ثبت لهم هذا . والويل : كلمة تقال لكل من وقع في عذاب أو هلكة ، قال : وأصل الويل في اللغة العذاب والهلاك . والويل : الهلاك يدعى به لمن وقع في هلكة يستحقها ، تقول : ويل لزيد ، ومنه : ويل للمطففين ، فإن وقع في هلكة لم يستحقها قلت : ويح لزيد ، يكون فيه معنى الترحم ; ومنه قول سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية ! وويل : واد في جهنم ، وقيل : باب من أبوابها . وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره قبل أن تبلغ قعره ، والصعود : جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي كذلك ، وقال سيبويه في قوله تعالى : ويل للمطففين ; ويل للمكذبين قال : لا ينبغي أن يقال ويل دعاء ها هنا لأنه قبيح في اللفظ ولكن العباد كلموا بكلامهم وجاء القرآن على لغتهم على مقدار فهمهم ، فكأنه قيل لهم : ويل للمكذبين أي هؤلاء ممن وجب هذا القول لهم ; ومثله : قاتلهم الله ، أجري هذا على كلام العرب ، وبه نزل القرآن . قال المازني : حفظت عن الأصمعي : الويل قبوح ، والويح ترحم ، والويس تصغيرهما أي هي دونهما . وقال أبو زيد : الويل هلكة ، والويح قبوح ، والويس ترحم . وقال سيبويه : الويل يقال لمن وقع في هلكة ، والويح زجر لمن أشرف على هلكة ، ولم يذكر في الويس شيئا . ويقال : ويلا له وائلا ، كقولك شغلا شاغلا ; قال رؤبة :


                                                          والهام يدعو البوم ويلا وائلا



                                                          قال ابن بري : وإذا قال الإنسان يا ويلاه قلت قد تويل ; قال الشاعر :


                                                          تويل إن مددت يدي وكانت     يميني لا تعلل بالقليل



                                                          وإذا قالت المرأة : واويلها ، قلت ولولت ; لأن ذلك يتحول إلى حكايات الصوت ; قال رؤبة :


                                                          كأنما عولته من التأق     عولة ثكلى ولولت بعد المأق



                                                          وروى المنذري عن أبي طالب النحوي أنه قال : قولهم ويله كان أصلها وي وصلت بله ، ومعنى وي حزن ، ومنه قولهم وايه ، معناه حزن أخرج مخرج الندبة ، قال : والعول البكاء في قوله ويله وعوله ، ونصبا على الذم والدعاء ، وقال ابن الأنباري : ويل الشيطان وعوله ، في الويل ثلاثة أقوال : قال ابن مسعود الويل واد في جهنم ، وقال الكلبي الويل شدة من العذاب ، وقال الفراء الأصل وي للشيطان أي حزن للشيطان من قولهم وي لم فعلت كذا وكذا ، قال : وفي قولهم ويل الشيطان ستة أوجه : ويل الشيطان ، بفتح اللام ، وويل ، بالكسر ، وويل ، بالضم ، وويلا وويل وويل ، فمن قال ويل الشيطان قال : وي معناه حزن للشيطان ، فانكسرت اللام لأنها لام خفض ، ومن قال ويل الشيطان قال : أصل اللام الكسر ، فلما كثر استعمالها مع وي صار معها حرفا واحدا فاختاروا لها الفتحة ، كما قالوا يال ضبة ، ففتحوا اللام ، وهي في الأصل لام خفض ; لأن الاستعمال فيها كثر مع يا فجعلا حرفا واحدا ; وقال بعض شعراء هذيل :


                                                          فويل ببز جر شعل على الحصى     فوقر ما بز هنالك ضائع



                                                          شعل : لقب تأبط شرا ، وكان تأبط قصيرا فلبس سيفه فجره على الحصى ، فوقره : جعل فيه وقرة أي فلولا ، قال : ويل ببز فتعجب منه . قال ابن بري : ويقال ويبك بمعنى ويلك ; قال المخبل :


                                                          يا زبرقان أخا بني خلف     ما أنت ويب أبيك والفخر



                                                          قال : ويقال معنى ويب التصغير والتحقير بمعنى ويس . وقال اليزيدي : ويح لزيد ، بمعنى ويل لزيد ; قال ابن بري : ويقويه عندي قول سيبويه تبا له وويحا وويح له وتب ! وليس فيه معنى الترحم ; لأن التب الخسار . ورجل ويلمه وويلمه : كقولهم في المستجاد ويلمه ، يريدون ويل أمه ، كما يقولون لاب لك ، يريدون : لا أب لك ، فركبوه وجعلوه كالشيء الواحد ; ابن جني : هذا خارج عن الحكاية ، أي يقال له من دهائه ويلمه ، ثم ألحقت الهاء للمبالغة كداهية . وفي الحديث في قوله لأبي بصير : ويلمه مسعر حرب ، تعجبا من شجاعته وجرأته وإقدامه ; ومنه حديث علي : ويلمه كيلا بغير ثمن لو أن له [ ص: 297 ] وعا أي يكيل العلوم الجمة بلا عوض إلا أنه لا يصادف واعيا ، وقيل : وي كلمة مفردة ولأمه مفردة ، وهي كلمة تفجع وتعجب وحذفت الهمزة ، من أمه تخفيفا ، وألقيت حركتها على اللام ، وينصب ما بعدها على التمييز ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية