الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون

                                                                                                                                                                                                                                      قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إثر ما بين لهم حالهم ومآلهم بطريق الخطاب ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين بأن يواجههم بتشديد التهديد ، وتكرير الوعيد ، ويظهر لهم ما هو عليه غاية التصلب في الدين ، ونهاية الوثوق بأمره ، وعدم المبالاة بهم ; أي : اعملوا على غاية تمكنكم واستطاعتكم ، يقال : تمكن مكانة : إذا تمكن أبلغ التمكن ، أو على جهتكم وحالتكم التي أنتم عليها ، من قولهم : مكان ومكانة ، كمقام ومقامة ، وقرئ : ( مكاناتكم ) ، والمعنى : اثبتوا على كفركم ومعاداتكم .

                                                                                                                                                                                                                                      إني عامل ما أمرت به من الثبات على الإسلام ، والاستمرار على الأعمال الصالحة والمصابرة ، وإيراد التهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد ، كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعا عليه ، فيحمله بالأمر على ما يؤدي إليه ، وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالذي أمر به ، بحيث لا يجد إلى التفصي عنه سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار " سوف " لتأكيد مضمون الجملة ، والعلم عرفاني ، و" من " إما استفهامية معلقة لفعل العلم ، محلها الرفع على الابتداء . و" تكون " باسمها وخبرها خبر لها ، وهي مع خبرها في محل نصب لسدها مسد مفعول " تعلمون " ; أي : فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الديار لها .

                                                                                                                                                                                                                                      وإما موصولة فمحلها النصب على أنها مفعول لتعلمون ; أي : فسوف تعلمون الذي له عاقبة الدار ، وفيه مع الإنذار إنصاف في المقال ، وتنبيه على كمال وثوق المنذر بأمره ، وقرئ بالياء ; لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي .

                                                                                                                                                                                                                                      إنه ; أي : الشأن .

                                                                                                                                                                                                                                      لا يفلح الظالمون وضع الظلم موضع الكفر إيذانا بأن امتناع الفلاح يترتب على أي فرد كان من أفراد الظلم ، فما ظنك بالكفر الذي هو أعظم أفراده .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية