الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 296 ] ولما فصل الغنم إلى ضأن ومعز ، أغنى ذلك عن تنويع الإبل إلى العراب والبخت والبقر إلى العراب والجواميس ، [ - ولأن هذه يتناتج بعضها من بعض بخلاف الغنم فإنها لا يطرق أحد نوعيها الآخر - نقله الشيخ بدر الدين الزركشي في كتاب (الوصايا) من شرح المنهاج عن كتاب الأعداد لابن سراقة ] فقال : ومن الإبل اثنين أي : ذكرا وأنثى ومن البقر اثنين أي : كذلك قل أي : لهؤلاء الذين اختلقوا جهلا وسفها ما تقدم عنهم آلذكرين أي : من هذين النوعين حرم أي : حرمهما الله أم الأنثيين أي : حرمهما أما أي : الذي اشتملت عليه أي : ذلك المحرم على زعمكم أرحام الأنثيين أي : حرمهما الله .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير : أجاءكم هذا عن الله الذي لا حكم لغيره على لسان نبي؟ عادله توبيخا لهم وإنكارا عليهم بقوله : أم كنتم شهداء أي : حاضرين إذ وصاكم الله أي : الذي لا ملك غيره فلا حكم لسواه بهذا أي : كما جزمتم عليه به ، أو جزمتم بالحرمة فيما حرمتموه والحل فيما أحللتموه ، ولا محرم ولا محلل غير الله ، فكنتم بذلك ناسبين الحكم إليه; ولما كان التقدير كما أنتجه السياق : لقد كذبتم على الله حيث نسبتم إليه ما لم تأخذوه عنه لا بواسطة ولا بغير واسطة ، سبب عنه قوله [ ص: 297 ] معمما ليعلم أن هذا إذا كان في التحريم والتحليل كان الكذب في أصول الدين أشد : فمن أظلم ووضع موضع (منكم) قوله معمما ومعلقا للحكم بالوصف : ممن افترى أي : تعمد على الله أي : الذي لا أعظم منه لأنه ملك الملوك كذبا كعمرو بن لحي الذي غير شريعة إبراهيم - عليه السلام - وكل من فعل مثل فعله .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان يلزم من شرعهم لهذه الأمور إضلال من تبعهم فيها عن الصراط السوي ، وكانوا يدعون أنهم أفطن الناس وأعرفهم بدقائق الأمور في بداياتها ونهاياتها وما يلزم عنها - جعل غاية فعلهم مقصودا لهم تهكما بهم ، فقال : ليضل الناس ولما كان الضلال قد يقع من العالم الهادي خطأ - قال : بغير علم

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا محل عجب ممن يفعل هذا - كشفه - سبحانه - بقوله استئنافا : إن الله وهو الذي لا حكم لأحد سواه لا يهديهم ، هكذا كان الأصل ولكنه أظهر تعميما بما هو أعم من وصفهم ليكون الحكم عليهم بطريق الأولى فقال : لا يهدي القوم الظالمين أي : الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها فكيف بالأظلمين! وما أحسن هذا الختم لأحكامهم وأنسبه لما بناها عليه من قوله إنه لا يفلح الظالمون

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية