الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 466 ] 925 - باب بيان مشكل ما روي عن عبد الله بن عباس مما يعلم يقينا أنه لم يقله رأيا ، وإنما قال توقيفا : لا وحي إلا القرآن .

حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، قال : سمعت ابن عباس يقول : لا وحي إلا القرآن .

فقال قائل : كيف تقبلون مثل هذا عن ابن عباس ، وأنتم تروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالفه ، وهو في إخبار الناس ما يوحيه الله إليه سوى القرآن ؟

5762 - وذكر في ذلك ما قد حدثنا بحر بن نصر ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني معاوية بن صالح ، عن عيسى بن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن أنس بن مالك ، قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، فبينما هو في الصلاة مد يده ثم أخرها ، فلما فرغ من الصلاة ، قلنا : يا رسول الله صنعت في صلاتك هذه ما لم تكن تصنعه في [ ص: 467 ] صلاة قبلها ؟ قال : رأيت الجنة عرضت علي ، ورأيت فيها حبلة قطوفها دانية ، حبها كالدباء ، فأردت أن أتناول منها ، فأوحي إليها أن استأخري فاستأخرت ، ثم عرضت علي النار بيني وبينكم ، حتى رأيت ظلي وظلكم ، فأومأت إليكم أن استأخروا ، فأوحي إلي أن أقرهم ، فإنك أسلمت وأسلموا ، وهاجرت وهاجروا ، فلم أر لي عليكم فضلا إلا النبوة .

5763 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا عطاء - يعني ابن أبي رباح - عن صفوان بن يعلى بن أمية : أن رجلا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة ، وعليه أثر خلوق أو صفرة ، وهو بالجعرانة ، قال : كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ قال : فأنزل على النبي عليه السلام ، قال صفوان : فقلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : وددت أني قد رأيت النبي عليه السلام قد أنزل عليه الوحي ، فلما غشيه الوحي ناداني ، وقال : يسرك أن تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه الوحي ، فرفع طرف الثوب ، فنظرت إليه وله غطيط كغطيط البكر ، فلما سري ، عنه قال : أين السائل عن العمرة ؟ اخلع عنك الجبة ، واغسل عنك أثر الصفرة أو [ ص: 468 ] الخلوق ، واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك .

قال هذا القائل : ففي هذين الأثرين ذكر وحي قد كان أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس هو بقرآن .

فكان جوابنا له في ذلك : أن الذي رويناه عن ابن عباس معناه عندنا - والله أعلم - لم يكن على دفع ما في هذين الأثرين ، ولكنه جاء به على ما تخاطب العرب بعضها بعضا ، فيفهم المخاطبون لهم بها ، فكان يعني ابن عباس عندنا - والله أعلم - بقوله : لا وحي إلا القرآن ، يعني القرآن نفسه ، وما أمر به القرآن مما لم يقبله إلا بالقرآن ؛ لأن [ ص: 469 ] الله تعالى قال : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، ويكون ذلك مراد ابن عباس ، كما كان من مراد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مما خاطب به أبا جحيفة .

5764 - كما حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي .

5765 - وكما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، قال المزني في حديثه عن الشافعي : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال الربيع في حديثه عن أسد : حدثنا أسباط بن محمد ، ثم اجتمعا ، فقالا : عن مطرف بن طريف ، عن الشعبي ، عن أبي جحيفة ، قال : سألت عليا رضي الله عنه : هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن ؟ فقال : لا ، والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ما عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن ، إلا أن يؤتي الله عبدا فهما في القرآن ، وما في الصحيفة ، قال : قلت : وما في الصحيفة ؟ قال : العقل وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر .

[ ص: 470 ] [ ص: 471 ] وكان علي قد قال هذا القول وحلف عليه بما حلف عليه به ومعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة ما قد كان معه التي منها الوحي الذي كان يوحى إليه صلى الله عليه وسلم سوى القرآن داخلا في القرآن الذي كان قبولهم إياه منه صلى الله عليه وسلم بأمر القرآن إياهم به ، فيكون مثل ذلك ما كان من ابن عباس من قوله : لا وحي سوى القرآن ، يريد به أن القرآن لما كان في أعلى مراتب الوحي التي منها القرآن ومنها غير القرآن ، قال من أجل ذلك هذا القرآن كما يقول الرجل : لا عالم سوى فلان .

وكما قال من قال : لا زاهد إلا عمر بن عبد العزيز ، لما كان منه من تركه ما كان صار إليه من الدنيا مما كان غيره لا يترك ما هو دونه ، وفي الدنيا زهاد كثير إلا أنهم لم يقدروا على مثل الذي قدر عليه منها عمر بن عبد العزيز ، فتزهدوا فيها كزهد عمر فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية