الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى

                                                                                                                                                                                                                                        (80 -81) يذكر تعالى بني إسرائيل منته العظيمة عليهم بإهلاك عدوهم، ومواعدته لموسى - عليه السلام - بجانب الطور الأيمن؛ لينزل عليه الكتاب، الذي فيه الأحكام الجليلة، والأخبار الجميلة، فتتم عليهم النعمة الدينية، بعد النعمة الدنيوية، ويذكر منته أيضا عليهم في التيه، بإنزال المن والسلوى، والرزق الرغد الهني، الذي يحصل لهم بلا مشقة، وأنه قال لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم ؛ أي: واشكروه على ما أسدى إليكم من النعم. ولا تطغوا فيه ؛ أي: في رزقه، فتستعملونه في معاصيه، وتبطرون النعمة، فإنكم إن فعلتم ذلك حل عليكم غضبي [ ص: 1038 ] أي: غضبت عليكم، ثم عذبتكم، ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ؛ أي: ردي وهلك، وخاب وخسر؛ لأنه عدم الرضا والإحسان، وحل عليه الغضب والخسران.

                                                                                                                                                                                                                                        (82) ومع هذا فالتوبة معروضة، ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي، فلهذا قال: وإني لغفار ؛ أي: كثير المغفرة والرحمة، لمن تاب من الكفر والبدعة والفسوق، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعمل صالحا من أعمال القلب والبدن، وأقوال اللسان، ثم اهتدى ؛ أي: سلك الصراط المستقيم، وتابع الرسول الكريم، واقتدى بالدين القويم، فهذا يغفر الله أوزاره، ويعفو عما تقدم من ذنبه وإصراره؛ لأنه أتى بالسبب الأكبر للمغفرة والرحمة، بل الأسباب كلها منحصرة في هذه الأشياء، فإن التوبة تجب ما قبلها، والإيمان والإسلام يهدم ما قبله، والعمل الصالح الذي هو الحسنات يذهب السيئات، وسلوك طرق الهداية بجميع أنواعها - من تعلم علم، وتدبر آية أو حديث؛ حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به، ودعوة إلى دين الحق، ورد بدعة أو كفر أو ضلالة، وجهاد، وهجرة، وغير ذلك من جزئيات الهداية - كلها مكفرات للذنوب محصلات لغاية المطلوب.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية