الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  وقعة الأحزاب وبني قريظة

                                                                  9737 عبد الرزاق ، ثم كانت وقعة الأحزاب بعد وقعة أحد بسنتين ، وذلك يوم الخندق ورسول الله صلى الله عليه وسلم جانب المدينة ، ورأس المشركين يومئذ أبو سفيان ، فحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة ، حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب ، وحتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : كما أخبرني ابن المسيب " اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إنك إن تشأ أن لا تعبد " فبينا هم على ذلك [ إذ ] أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن بن بدر الفزاري ، وهو يومئذ رأس المشركين من غطفان ، وهو مع أبي سفيان : " أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك من غطفان ؟ وتخذل بين الأحزاب ؟ " ، فأرسل إليه عيينة إن جعلت لي الشطر فعلت ، فأرسل إلى سعد بن معاذ وهو سيد الأوس ، وإلى سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج فقال لهما : " إن عيينة بن حصن قد سألني نصف ثمركما على أن ينصرف بمن معه من غطفان ، ويخذل بين الأحزاب ، وإني [ ص: 368 ] قد أعطيته الثلث فأبى إلا الشطر ، فماذا تريان ؟ " قالا : يا رسول الله إن كنت أمرت بشيء فامض لأمر الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت أمرت بشيء لم أستأمركما ، ولكن هذا رأيي أعرضه عليكما " قالا : فإنا لا نرى أن نعطيه إلا السيف قال : " فنعم إذا " قال معمر : فأخبرني ابن أبي نجيح أنهما قالا له : والله يا رسول الله لقد كان أفلان حين جاء الله بالإسلام نعطيهم ذلك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فنعم إذا " .

                                                                  قال الزهري في حديثه عن ابن المسيب : فبينا هم كذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي ، وكان يأمنه الفريقان ، كان موادعا لهما فقال : إني كنت عند عيينة وأبي سفيان إذ جاءهم رسول بني قريظة : أن اثبتوا ، فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فلعلنا أمرناهم بذلك " ، وكان نعيم رجلا لا يكتم الحديث ، فقام بكلمة النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءه عمر فقال : يا رسول الله إن كان هذا الأمر من الله فأمضه ، وإن كان رأيا منك فإن شأن قريش وبني قريظة أهون من أن يكون لأحد عليك فيه مقال ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " علي الرجل " ردوه فردوه فقال : انظر الذي ذكرنا لك ، فلا تذكره لأحد " فإنما أغراه فانطلق حتى أتى عيينة وأبا سفيان فقال : هل سمعتم من محمد يقول قولا إلا كان حقا ؟ قالا : لا قال : فإني [ ص: 369 ] لما ذكرت له شأن قريظة قال : فلعلنا أمرناهم بذلك قال أبو سفيان : سنعلم ذلك إن كان مكرا ، فأرسل إلى بني قريظة أنكم قد أمرتمونا أن نثبت ، وأنكم ستخالفون المسلمين إلى بيضتهم ، فأعطونا بذلك رهينة فقالوا : إنها قد دخلت ليلة السبت ، وإنا لا نقضي في السبت شيئا فقال أبو سفيان إنكم في مكر من بني قريظة ، فارتحلوا ، وأرسل الله عليهم الريح ، وقذف في قلوبهم الرعب ، فأطفأت نيرانهم وقطعت أرسان خيولهم ، وانطلقوا منهزمين من غير قتال قال : فذلك حين يقول : وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا قال : فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلبهم ، فطلبوهم حتى بلغوا حمراء الأسد قال : فرجعوا قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، واغتسل واستجمر ، فنادى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل : عذيرك من محارب ، ألا أراك قد وضعت اللأمة ، ولم نضعها نحن بعد فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا فقال لأصحابه : " عزمت عليكم ألا تصلوا العصر حتى تأتوا بني قريظة " ، فغربت الشمس [ ص: 370 ] قبل أن يأتوها ، فقالت طائفة من المسلمين إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تدعوا الصلاة فصلوا ، وقالت طائفة : إنا لفي عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علينا من بأس ، فصلت طائفة إيمانا واحتسابا [ وتركت طائفة إيمانا واحتسابا ] قال : فلم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين ، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فمر بمجالس بينه وبين بني قريظة ، فقال : " هل مر بكم من أحد ؟ " فقالوا : نعم ، مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس ذلك ولكنه جبريل ، أرسل إلى بني قريظة ليزلزل حصونهم ، ويقذف في قلوبهم الرعب " فحاصرهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انتهى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [ أمرهم ] أن يستروه بجحفهم ليقوه الحجارة ، حتى يسمع كلامهم ، ففعلوا فناداهم : " يا إخوة القردة والخنازير " فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت فاحشا فدعاهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ، فأبوا أن يجيبوه إلى الإسلام ، فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين ، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وأبوا أن ينزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلوا على داء فأقبلوا بهم ، وسعد بن معاذ أسيرا على أتان ، حتى انتهوا إلى رسول [ ص: 371 ] الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت قريظة تذكره بحلفهم ، وطفق سعد بن معاذ ينفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستأمرا ، ينتظره فيما يريد أن يحكم به ، فيجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول : انفر بما أنا حاكم ، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بقول : " نعم " قال سعد : فإني أحكم بأن يقتل مقاتلتهم ، وتقسم أموالهم ، وتسبى ذراريهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أصاب الحكم " قال : وكان حيي بن أخطب استجاش المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلاك لبني قريظة ، فاستفتح عليهم ليلا ، فقال سيدهم : إن هذا رجل مشئوم ، فلا يشأمنكم حيي ، فناداهم يا بني قريظة ألا تستجيبوا ؟ ألا تلحقوني ؟ ألا تضيفوني ؟ فإني جامع مغرور ، فقالت بنو قريظة : والله لنفتحن له ، فلم يزالوا حتى فتحوا له ، فلما دخل عليهم أطمهم قال : يا بني قريظة جئتكم في عز الدهر ، جئتكم في عارض برد لا يقوم لسبيله شيء ، فقال له سيدهم : أتعدنا عارضا بردا ينكشف عنا ، وتدعنا عند بحر دائم لا يفارقنا ، إنما تعدنا الغرور قال : فواثقهم وعاهدهم لإن انفضت جموع الأحزاب أن يجيئ حتى يدخل معهم أطمهم ، فأطاعوه حينئذ بالغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فلما فض الله جموع الأحزاب انطلق حتى إذا كان بالروحاء ، ذكر العهد والميثاق الذي أعطاهم ، فرجع حتى دخل معهم ، فلما أقبلت بنو قريظة أتي به مكتوفا بقد فقال حيي للنبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 372 ] أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربت عنقه .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية