الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      فصل ( القسم الثاني أن تكون العين في أيديهما أو ) تكون ( في غير يد أحد ولا بينة لهما فيتحالفان وتقسم العين بينهما ) نصفين ، لأنهما استويا في الدعوى وليس أحدهما بها أولى من الآخر لعدم اليد فوجب أن يقتسماها كما لو كانت بأيديهما ، وتحت هذا القسم حالان من الأحوال الأربعة التي أشار إليها في المنتهى كما تقدم التنبيه عليه .

                                                                                                                      ( وكذا إن نكلا ) عن اليمين فإنها تقسم بينهما ( لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله ) على اليمين له ( وإن نكل أحدهما ) عن اليمين ( وحلف الآخر قضى له ) أي للذي حلف ( بجميعها ) أي جميع العين النصف بحلفه [ ص: 392 ] لكونه واضع اليد عليه والنصف الآخر بنكول خصمه ( فإن ادعى أحدهما نصفها ) أي العين ( فما دون ) بالبناء على الضم لحذف المضاف إليه ونية معناه أي فأقل من النصف ( أو ) ادعى ( الآخر أكثر من بقيتها أو ) ادعى الآخر ( كلها فالقول قول مدعي الأقل مع يمينه ) لأنه واضع يده على ما ادعاه ولا رافع ليده والباقي لمدعي الكل أو الأكثر بلا يمين لعدم التنازع له فيه .

                                                                                                                      ( وإن تنازعا مسناة وهي السد الذي يرد ماء النهر من جانبه حاجز بين نهر أحدهما وأرض الآخر تحالفا وهي ) أي المسناة ( بينهما ) نصفين لأنها حاجز بين ملكيهما ينتفع بها كل واحد منهما أشبه الحائط بين الدارين ( وكذا إن نكلا ) عن اليمين تناصفاها ( لأنها حاجز بين ملكيهما ، وإن تنازعا صغيرا دون التمييز في أيديهما فهو بينهما ) وهو ( رقيق ) لأن اليد دليل الملك ويد كل منهما عليه فهما سواء فيه لا رجحان لواحد منهما على الآخر ( ويتحالفان ) أي يحلف كل منهما لصاحبه على النصف الذي أخذه .

                                                                                                                      ( ولا تقبل دعواه الحرية إذا بلغ بلا بينة ) أي يد مدعي الرق ( على الملك مثل أن يلتقطه ) ثم يدعي رقه ( فلا تقبل دعواه لرقه لأن اللقيط محكوم بحريته ) لأنها الظاهر والأصل في بني آدم والرق طارئ ( وإن كان لكل منهما ) أي من واضعي اليد على طفل ( بينة فهو بينهما أيضا ) لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر ببينة ( وإن كان ) المدعى ( مميزا فقال إني حر فهو حر ) فيخلى إلى حال سبيله ويمنعان منه لأن الحرية هي الأصل في ابن آدم ( إلا أن تقوم بينة برقه كالبالغ إلا أن البالغ إذا أقر بالرق ثبت رقه ) مؤاخذة له بإقراره بخلاف المميز إذا أقر بالرق فلا يقبل إقراره وإنما اعتبرت دعواه الحرية لأنها الأصل ولصحة تصرفه بالوصية وأمره بالصلاة .

                                                                                                                      ( وإن كان لأحدهما ) أي أحد المدعين للعين ( بينة بالعين ) المدعى بها بيدها أو ليست بيد أحد ( حكم له بها ) لرجحان بالبينة ( وإن كان لكل واحد منهما بينة لم يقدم أسبقها تاريخا بل ) هما ( سواء ) خلافا للقاضي .

                                                                                                                      قال يقدم أسبقهما تاريخا لأن من شهدت له بينة بالتاريخ المقدم أثبتت له الملك في وقت لم تعارضه فيه البينة الأخرى وتعارضت البينتان في ذلك الملك في الحال فسقطتا فبقي ملك السابق تحت استدامته والمذهب الأول لأن الشاهد بالملك الحادث أحق بالترجيح لجواز أن يعمل به دون الأول بدليل أنه لو ذكر أنه اشتراه من الآخر أو أنه وهبه إياه ونحوه لقدمت بينته بذلك اتفاقا ، فإذا لم يرجح بها فلا أقل من التساوي وأما قوله أنه يثبت الملك في الزمان الماضي من غير معارضة ممنوع لثبوته في الحال ، ولو انفرد بأن [ ص: 393 ] ادعى الملك في الماضي لم تسمع دعواه ولا بينته .

                                                                                                                      ( فإن وقيت إحداهما ) أي البينتين ( وأطلقت الأخرى والعين بيديهما ) فهما سواء لأنه ليس في إحداهما ما يقتضي الترجيح من تقدم الملك ولا غيره أو شهدت بينة بالملك وسببه كنتاج بأن شهدت أنها نتجت في ملكه ( أو ) شهدت ب ( سبب غيره ) كشراء أو هبة .

                                                                                                                      ( و ) شهدت ( بينة بالملك وحده أو ) شهدت ( بينة أحدهما بالملك له منذ سنة و ) شهدت ( بينة الآخر بالملك منذ شهر ولم تقل اشتراه منه فهما سواء ) لأن البينتين تساويا فيما يرجع إلى المختلف فيه وهو ملك العين الآن فوجب تساويهما في الحكم .

                                                                                                                      ( ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ) كما لو كانت إحدى البينتين أربعة رجال والأخرى رجلين ( ولا اشتهار العدالة ولا الرجال على الرجل والمرأتين ولا الشاهدان على الشاهد واليمين ) لأن الشهادة مقدرة بالشرع فلا تختلف بالزيادة ، ولأن كل واحد من تلك حجة مفردة فأشبه الرجلين مع الرجل والمرأتين ( وإن تساوتا من كل وجه تعارضتا وتحالفا فيما بيدهما وقسمت ) العين ( بينهما ) نصفين لتساويهما في وضع اليد ( وأقرع ) بينهما ( ما لم تكن ) العين ( في يد أحد ) منهما ولا من غيرهما وهكذا في المنتهى وأصله مبني على رواية صالح وحنبل وقدمه في الفروع .

                                                                                                                      وقد جزم المصنف فيما تقدم أنهما يتناصفان تبعا لما قدمه في المحرر والرعايتين والحاوي وهو مقتضى قوله الآتي ، وكانا كمن لا بينة لهما ( أو ) كانت العين ( بيد ثالث ولم ينازع ) فيقرع بينهما ( وكانا كمن لا بينة لهما فيسقطان ) أي البينتان ( بالتعارض ) وهو التساوي من كل وجه ( وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وشهدت ) له ( البينة بذلك سمعت ) الشهادة ( وإن لم تقل ) البينة ( وهي ملكه لم تسمع ) شهادتهما لأنه قد يبيع ملكه وملك غيره ( وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه ) وأقام بينة بذلك ( تعارضتا ) جواب وإن ادعى وقوله سمعت وما بعده اعتراض ( حتى ولو أرخا ) قال في التنقيح : وفيه رد على الإنصاف حيث قال : مراده وإن لم يؤرخا .

                                                                                                                      قال في الفروع ثم إن كانت العين في أيديهما تحالفا وتناصفاها وإن كانت في يد ثالث لم ينازع أقرع بينهما ، فمن قرع صاحبه حلف وأخذها ( وإن كانت في يد أحدهما فهي للخارج ) لتقديم بينته على بينة الداخل ( ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة وأقامت امرأة بينة أن أباه أصدقها إياها فهي ) أي الدار ( للمرأة داخلة كانت أو خارجة لأن بينتها شهدت بالسبب المقتضي لنقل الملك كبينة ملك على بينة يد ) .

                                                                                                                      [ ص: 394 ] فائدة " قال الغزي إذا تعارض المسقط والموجب جعل المسقط آخرا كما لو ادعى على رجل مالا أو عينا فقال المدعى عليه إنك أقررت أن لا دعوى ولا خصومة لك علي وقامت بذلك بينة سمعت واندفعت الدعوى ، ولو احتمل أنه ادعى عليه بسبب بعد الإقرار لأن المسقط والموجب إذا تعارضا جعل المسقط آخرا إذا السقوط لا يكون إلا بعد الوجوب سواء اتصل القضاء بالأول أو لم يتصل .

                                                                                                                      وكذا لو ادعى على آخر فأقام المدعى عليه بينة أنك أبرأتني من الدعاوى كلها في سنة كذا صح هذا الدفع .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية