الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا

[ ص: 148 ] القول في نادى وفي أن التفسيرية كالقول في : ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا الآية . وأصحاب النار مراد بهم من كان من مشركي أمة الدعوة لأنهم المقصود كما تقدم ، وليوافق قوله بعد ولقد جئناهم بكتاب فصلناه .

فعل الفيض حقيقته سيلان الماء وانصبابه بقوة ويستعمل مجازا في الكثرة ، ومنه ما في الحديث : ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ويجيء منه مجاز في السخاء ووفرة العطاء ، ومنه ما في الحديث أنه قال لطلحة : أنت الفياض فالفيض في الآية إذا حمل على حقيقته كان أصحاب النار طالبين من أصحاب الجنة أن يصبوا عليهم ماء ليشربوا منه ، وعلى هذا المعنى حمله المفسرون ، ولأجل ذلك جعل الزمخشري عطف مما رزقكم الله عطفا على الجملة لا على المفرد ، فيقدر عامل بعد حرف العطف يناسب ما عدا الماء تقديره : أو أعطونا ، ونظره بقول الشاعر أنشده الفراء :

علفتها تبنا وماء بـاردا حتى شبت همالة عيناها

تقديره : علفتها تبنا وسقيتها ماء باردا ، وعلى هذا الوجه تكون من بمعنى بعض ، أو صفة لموصوف محذوف تقديره : شيئا من الماء ، لأن : أفيضوا يتعدى بنفسه .

ويجوز عندي أن يحمل الفيض على المعنى المجازي ، وهو سعة العطاء والسخاء ، من الماء والرزق ، إذ ليس معنى الصب بمناسب بل المقصود الإرسال والتفضل ، ويكون العطف عطف مفرد على مفرد وهو أصل العطف ، ويكون سؤلهم من الطعام مماثلا لسؤلهم من الماء في الكثرة ، فيكون في هذا الحمل [ ص: 149 ] تعريض بأن أصحاب الجنة أهل سخاء ، وتكون من على هذا الوجه بيانية لمعنى الإفاضة ، ويكون فعل ( أفيضوا ) منزلا منزلة اللازم ، فتتعلق من بفعل أفيضوا .

والرزق مراد به الطعام كما في قوله تعالى كلما رزقوا منها من ثمرة الآية .

وضمير قالوا لأصحاب الجنة ، وهو جوابهم عن سؤال أصحاب النار ، ولذلك فصل على طريقة المحاورة .

والتحريم في قوله حرمهما على الكافرين مستعمل في معناه اللغوي وهو المنع كقول عنترة : حرمت علي وليتها لم تحرم وقوله وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون .

والمراد بالكافرين المشركون ، لأنهم قد عرفوا في القرآن بأنهم اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ، وعرفوا بإنكار لقاء يوم الحشر .

وقد تقدم القول في معنى اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا عند قوله تعالى وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا في سورة الأنعام .

وظاهر النظم أن قوله الذين اتخذوا دينهم إلى قوله الحياة الدنيا هو من حكاية كلام أهل الجنة ، فيكون اتخذوا دينهم لهوا إلخ صفة للكافرين .

وجوز أن يكون : الذين اتخذوا دينهم لهوا مبتدأ على أنه من كلام الله تعالى ، وهو يفضي إلى جعل الفاء في قوله فاليوم ننساهم داخلة على خبر المبتدإ لتشبيه اسم الموصول بأسماء الشرط ، كقوله تعالى [ ص: 150 ] واللذان يأتيانها منكم فآذوهما وقد جعل قوله الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا إلى قوله وما كانوا بآياتنا يجحدون آية واحدة في ترقيم أعداد آي المصاحف وليس بمتعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية