الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب وقوف الإمام تلقاء وسط الصف وقرب أولي الأحلام والنهى منه

                                                                                                                                            1116 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وسطوا الإمام ، وسدوا [ ص: 215 ] الخلل } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            1117 - ( وعن أبي مسعود الأنصاري قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم } رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            1118 - ( وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، وإياكم وهيشات الأسواق } رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            1119 - ( وعن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه } . رواه أحمد وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من طريق جعفر بن مسافر شيخ أبي داود . قال النسائي : صالح ، وفي إسناده يحيى بن بشير بن خلاد عن أمه واسمها أمة الواحد ، ويحيى مستور وأمه مجهولة . وحديث أبي مسعود أخرجه أيضا أبو داود . وحديث ابن مسعود قال الترمذي : حسن غريب وقال الدارقطني : تفرد به خالد بن مهران الحذاء عن أبي معشر زياد بن كليب . وقال ابن سيد الناس : إنه صحيح لثقة رواته وكثرة الشواهد له ، قال : ولذلك حكم مسلم بصحته . وأما غرابته فليست تنافي الصحة في بعض الأحيان . وأما حديث أنس فأخرجه أيضا الترمذي ولم يذكر له إسنادا ، والنسائي ورجال إسناده عند ابن ماجه رجال الصحيح

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي بن كعب عند أحمد من حديث { قيس بن عباد قال : قدمت المدينة للقاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وما كان بينهم رجل ألقاه أحب إلي من أبي بن كعب ، فأقيمت الصلاة فخرج عمر مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت في الصف الأول ، فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري ، فنحاني وقام في مكاني ، فما عقلت صلاتي ، فلما صلى قال : يا بني لا [ ص: 216 ] يسوءك الله ، إني لم آت الذي أتيت بجهالة ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : كونوا في الصف الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك ، ثم حدث فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوجها إليه ، قال : فسمعته يقول : هلك أهل العقدة ورب الكعبة ، ألا لا عليهم آسى ، ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين ، وإذا هو أبي يعني ابن كعب } هذا لفظ أحمد وقد أخرج الحديث أيضا النسائي وابن خزيمة في صحيحه " ومتحت " بفتح الميم وتاءين مثناتين بينهما حاء مهملة : أي مدت " وأهل العقدة " بضم العين المهملة وسكون القاف : يريد البيعة المعقودة للولاية . وعن سمرة عند الطبراني في الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليقم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار ليقتدوا بهم في الصلاة } وهو من رواية الحسن عن سمرة وعن البراء أشار إليه الترمذي .

                                                                                                                                            وعن ابن عباس عند الدارقطني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يتقدم في الصف الأول أعرابي ولا عجمي ولا غلام لم يحتلم } وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف قوله : ( وسطوا الإمام ) فيه مشروعية جعل الإمام مقابلا لوسط الصف وهو أحد الاحتمالات التي يحتملها الحديث وقد تقدمت ، قوله : ( وسدوا الخلل ) قال المنذري : هو بفتح الخاء المعجمة واللام وهو ما بين الاثنين من الاتساع

                                                                                                                                            وسيأتي ذكر ما هي الحكمة في ذلك في باب الحث على تسوية الصفوف قوله : ( فتختلف قلوبكم ) لأن مخالفة الصفوف مخالفة الظواهر ، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن قوله : ( ليليني ) قال النووي : هو بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد واللام في أوله لام الأمر المكسورة : أي ليقرب مني قوله : ( أولو الأحلام والنهى ) قال ابن سيد الناس : الأحلام والنهى بمعنى واحد ، والنهى بضم النون جمع نهية بالضم أيضا وهي العقل لأنها تنهى عن القبح . قال أبو علي الفارسي : يجوز أن يكون النهى مصدرا كالهدى وأن يكون جمعا كالظلم . وقيل : المراد بأولي الأحلام : البالغون ، وبأولي النهى : العقلاء ، فعلى الأول يكون العطف فيه من باب :

                                                                                                                                            فألفى قولها كذبا ومينا

                                                                                                                                            وهو أن ينزل تغاير اللفظ منزلة تغاير المعنى وهو كثير في الكلام . وعلى الثاني يكون لكل لفظ معنى مستقل . وقد روي عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا رأى صبيا في الصف أخرجه

                                                                                                                                            وعن زر بن حبيش وأبي وائل مثل ذلك ، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع بالتقديم لأنه الذي يتأتى منه التبليغ ، ويستخلف إذا احتيج إلى استخلافه ، ويقوم بتنبيه الإمام إذا احتيج إليه قوله : ( وإياكم وهيشات الأسواق ) بفتح الهاء وإسكان الياء [ ص: 217 ] المثناة من تحت وبالشين المعجمة أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها

                                                                                                                                            والهوشة : الفتنة والاختلاط . والمراد النهي عن أن يكون اجتماع الناس في الصلاة مثل اجتماعهم في الأسواق متدافعين متغايرين مختلفي القلوب والأفعال قوله : ( يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ) فيه وفي حديث أبي بن كعب وسمرة مشروعية تقدم أهل العلم والفضل ليأخذوا عن الإمام ويأخذ عنهم غيرهم ، لأنهم أمس بضبط صفة الصلاة وحفظها ونقلها وتبليغها .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية