الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد

                                                                                                                                                                                                قرئ: "يوم يأتيهم" : بغير ياء، ونحوه قولهم: لا أدر، حكاه الخليل وسيبويه ، وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: فاعل يأتي ما هو ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: الله -عز وجل- كقوله: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله [البقرة: 210]، أو يأتي ربك [الأنعام: 158]، وجاء ربك [الفجر: 22]، وتعضده قراءة: "وما يؤخره" بالياء، وقوله: "بإذنه"، ويجوز أن يكون الفاعل ضمير اليوم، كقوله تعالى: ( أن تأتيهم الساعة ) .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: بما انتصب الظرف ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: إما أن ينتصب بلا تكلم، وإما بإضمار "اذكر"، وإما بالانتهاء المحذوف في قوله: إلا لأجل معدود أي: ينتهي الأجل يوم يأتي.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: فإذا جعلت الفاعل ضمير اليوم، فقد جعلت اليوم وقتا لإتيان اليوم وحددت الشيء بنفسه.

                                                                                                                                                                                                قلت: المراد إتيان هوله وشدائده، لا تكلم : لا تتكلم، وهو نظير قوله: لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن [النبأ: 21].

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: كيف يوفق بين هذا وبين قوله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها [النحل: 111]، وقوله تعالى: هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون [المرسلات: 35 ، 36].

                                                                                                                                                                                                قلت: ذلك يوم طويل له مواقف ومواطن، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام، فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها: يختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم، وتشهد أرجلهم، فمنهم : الضمير: لأهل [ ص: 237 ] الموقف ولم يذكروا; لأن ذلك معلوم، ولأن قوله: لا تكلم نفس : يدل عليه، وقد مر ذكر الناس في قوله: مجموع له الناس [هود: 103]، والشقي الذي وجبت له النار لإساءته، والسعيد الذي وجبت له الجنة لإحسانه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية