الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5647 [ ص: 289 ] 17 - باب: من ترك صبية غيره حتى تلعب به، أو قبلها أو مازحها 5993 - حدثنا حبان، أخبرنا عبد الله، عن خالد بن سعيد، عن أبيه، عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أبي وعلي قميص أصفر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "سنه سنه". قال عبد الله: وهي بالحبشية: حسنة. قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزبرني أبي. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "دعها". ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي". قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر. يعني من بقائها. [انظر: 3071 - فتح: 10 \ 425]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أم خالد: "سنه سنه". وقد سلف، وفي آخره "أبلي وأخلقي" ثلاثا، قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر.

                                                                                                                                                                                                                              وسلف أن "أخلقي" بالقاف والفاء، لأبي ذر والمروزي بالفاء، ولغيرهما بالقاف، من إخلاق الثوب، ومعناه: أن تلبسيه خلقة بعد بلاه، يقال: خلف الله لك خلفا بخير، وأخلف عليك خيرا أي: أبدلك بما ذهب منك، وعوضه عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: إذا ذهب للرجل ما يخلفه كالمال والولد أخلف الله لك وعليك، وإذا ذهب ما لا يخلفه كالأب والأم، قيل: (خلف) الله عليك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (حتى ذكر) وفي نسخة: (دكن) وهو لأبي الهيثم - أعني: بالنون - وهو الذي رجح أبو ذر، ولأكثر الرواة: (حتى ذكر) بالراء، زاد في رواية ابن السكن: (ذكر دهرا)، ومعنى دكن: اسود لونه، والدكنة غبرة كدرة، والأشبه بالصحة رواية ابن السكن، قصد ذكر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 290 ] طول المدة، ونسي تحريرها، فعبر أنه ذكر دهرا، ودكن يدكن دكنا فهو أدكن بين الدكنة. وقال ابن التين: قوله: (فبقيت حتى ذكر) يقول إلى زمن طويل، فيحتمل أي: إلى ذكره; لأن (حتى) بمعنى (إلى أن) (فتعارض) أن، وذكر مصدرا، ثم ذكر رواية (دكن).

                                                                                                                                                                                                                              وفيه من الفقه: جواز مباشرة الرجل الصغيرة التي لا يشتهى مثلها وممازحتها، وإن لم تكن منه بذات محرم; لأن لعب (أم) خالد وهي صبية - بمكان خاتم النبوة من جسده الكريم - صلى الله عليه وسلم - مباشرة منها له، ومباشرتها له كمباشرته لها، وتقبيله إياها.

                                                                                                                                                                                                                              ولو كان ذلك حراما لنهاها كما نهى الحسن بن علي وهو صغير عن أكل التمرة الساقطة خشية الصدقة ، وقد اختلف أصحاب مالك في هذا الأصل في الصبية الصغيرة تموت هل يغسلها الرجل غير ذي المحرم منها؟ فقال أشهب: لا بأس أن يغسلها إذا لم تكن ممن تشتهى لصغرها، وهو قول عيسى بن دينار، وقال ابن القاسم: لا يغسلها بحال، وقول أشهب وعيسى يشهد له هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قولها: (فزبرني أبي) أي: انتهرني، وقوله: ("ثم أبلي وأخلقي").

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: فيه أن ثم تأتي للمقاربة والتراخي، وأباه بعض النحويين وقالوا: لا تأتي إلا للتراخي، وليس في الحديث أنها للمقاربة; لأنه قال: "أبلي" هذا القميص الأصفر، "وأخلقي ثم أبلي". الإبلاء بعد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 291 ] مدة من الخلق. قال ابن التين: وما علمت أن أحدا من النحويين قال (ثم) للمقاربة، إنما قالوا: هي للترتيب بالمهلة.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وأخلقي ثلاثي، تقول: خلق الثوب إذا بلي ورقعته، فمعناه يرقع ثلاث مرات هكذا اللغة، وقرئ أخلفي بفتح الهمزة من أخلف الله عليك أي: رد مثله إذا بلي، وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              بوب عليه البخاري (القبلة)، وليس فيه ذلك إلا أن يكون أخذه من القياس، فإنه لما لم ينهها عن مس جسده صار كالتقبيل.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية