الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون . سكوت غضبه كان - والله أعلم - بسبب اعتذار أخيه ، وكونه لم يقصر في نهي بني إسرائيل عن عبادة العجل ، ووعد الله إياه بالانتقام منهم ، وسكوت الغضب استعارة ، شبه خمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم وهو سكوته . قال يونس بن حبيب : تقول العرب : سال الوادي ثم سكت ، وقال الزجاج : مصدر : سكت الغضب سكن ، ومصدر سكت الرجل سكوت ، وهذا يقتضي أنه فعل على حده ، وليس من سكوت الناس ، وقيل : هو من باب القلب ، أي : ولما سكت موسى عن الغضب ، نحو : أدخلت في في الحجر ، وأدخلت القلنسوة في رأسي ، انتهى ، ولا ينبغي هذا ، لأنه من القلب وهو لم يقع إلا في قليل من الكلام ، والصحيح أنه لا ينقاس ، وقال الزمخشري : وهذا مثل ، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ، ويقول له : قل لقومك كذا ، وألق الألواح ، وخذ برأس أخيك إليك ، فترك النطق بذلك وترك الإغراء ، ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك ، ولأنه من قبيل شعب البلاغة ، وإلا فما لقراءة معاوية بن قرة " ولما سكن عن موسى الغضب " لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهزة وطرفا من تلك الروعة ، وقرئ : أسكت رباعيا مبنيا للمفعول ، وكذا هو في مصحف حفصة ، والمنوي عند الله ، أو أخوه باعتذاره إليه أو تنصله ، أي أسكت الله أو هارون ، وفي مصحف عبد الله : ولما صبر ، وفي مصحف أبي : ولما انشق ، والمعنى : ولما طفي غضبه أخذ ألواح التوراة التي كان ألقاها من يده ، روي عن ابن عباس أنه ألقاها فتكسرت فصام أربعين يوما فردت إليه في لوحين ولم يفقد منها شيئا ، وفي نسختها أي فيما نسخ من الألواح المكسرة ، أو فيما نسخ فيها ، أو فيما بقي منها بعد المرفوع وهو سبعها ، والأظهر أن المعنى : وفيما نقل وحول منها ، واللام في : لربهم تقوية لوصول الفعل إلى مفعوله المتقدم ، وقال الكوفيون : هي زائدة ، وقال الأخفش : هي لام المفعول له ، أي لأجل ربهم : يرهبون لا رياء ولا سمعة ، وقال المبرد : هي متعلقة بمصدر ، المعنى : الذين هم رهبتهم لربهم ، وهذا على طريقة البصريين لا يتمشى ؛ لأن فيه حذف المصدر وإبقاء معموله ، وهو لا يجوز عندهم إلا في الشعر ، وأيضا فهذا التقدير يخرج الكلام عن الفصاحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية