الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
والمقصود: أن التقدم بالزمان لا يشترط أن يكون الزمان مؤثرا فيه، فإنه غير مؤثر في الأفلاك، وأما التقدم بغير الزمان فإنه لو لم يخلق شمس ولا قمر ولا كان فلك ولا حركة فلك لكان يعقل أن الشيء يكون قبل الشيء؛ لكن إذا لم يكن هناك موجود يميز ذلك لم يعلم مقدار ذلك ولا أجزاؤه، ولا يتميز بعضها من بعض، لكن هذا لا يعدم بحال؛ فإن الله سبحانه وتعالى حي موجود قيوم أزلي، وقد قال عبد الله بن مسعود: "إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات من نور وجهه"، [ ص: 219 ] وروي أن أهل الجنة يعرفون مقدار الليل والنهار بأنوار تظهر من جهة العرش، والله سبحانه وتعالى قادر أن يظهر ما شاء من نوره، أي وقت شاء، فيكون ذلك مؤقتا وتحديدا لآخر الزمان وأبعاضه، كما جعل ذلك في الدنيا بالشمس والقمر، ولو قدر عدم ذلك كله وعدم ما يتميز به لنا متقدم / عن متأخر لم ينتف التقدم والتأخر؛ بل هو ثابت في نفسه فيكون الشيء قبل الشيء، سواء وجدت الحركات والأنوار التي توقت أجزاء ذلك وأبعاضه، أو لم توجد، وإنما بحركة الأنوار يتميز أبعاض ذلك عندنا، والتقدم والتأخر لا يشترط فيه وجود هذا الزمان المحدد، وليس هو المؤثر فيه؛ بل هو ثابت في نفسه، سواء كان هذا الزمان المحدود أو لم يكن؛ لكن هذا الزمان المحدود المؤقت يبين لنا المتقدم والمتأخر، وهذا مما ينبغي أن يعرف، وتصور ذلك فطري بديهي لا يفتقر، تصور الإنسان التقدم والتأخر إلى تصور الأوقات المحدودة بالأنوار والحركات، كما أن العلو [ ص: 220 ] والسفل أمر حقيقي معقول، ولو فرض عدم هذه الأجسام المعنية العالية والسافلة أو عدم الإنسان ذي الجهات الست؛ بل كل قائمين بأنفسهما يعقل كون أحدهما فوق الآخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية