الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 82 ] 946 - باب بيان مشكل ما روي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - من قوله : والله لو منعوني عناقا أو عقالا ، على ما روي عنه من هاتين الكلمتين مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه .

5851 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا سليمان بن كثير ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله .

عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل " قال : فلما كان زمن الردة حدثت بهذا الحديث أبا بكر ، فقال : لو منعوني عقالا لقاتلتهم عليه .

ففي هذا الحديث : لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله [ ص: 83 ] صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " .

5852 - وحدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، حدثني سليمان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة .

عن أبي هريرة قال : لما قبض الله تعالى نبيه استخلف أبو بكر ، فارتد من ارتد من العرب ، قال : فبعث أبو بكر لقتال من ارتد عن الإسلام من العرب ، فقال له عمر : يا أبا بكر ، ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله " ، فقال : ألا أقاتل أقواما في فرائض الصلاة والزكاة ؟ والله لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . قال : فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر لقتال القوم علمت أنه الحق .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ، عن سليمان ، عن الزهري : لو منعوني عناقا ، وكان ما في الحديث الأول : لو منعوني عقالا . فوقفنا بذلك على أن الاختلاف في هاتين الكلمتين إنما كان من قبل من [ ص: 84 ] روى هذا الحديث ، عن سليمان بن كثير من أبي الوليد ، ومن محمد بن كثير - والله أعلم - بحقيقة ما كان عليه منها عنده .

5853 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا كثير بن عبيد ، عن محمد بن حرب ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله .

عن أبي هريرة ، ثم ذكر هذا الحديث ، غير أنه قال : لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم نجد في ذلك عن الزبيدي اختلافا .

5854 - وحدثنا الليث بن عبدة ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الله : أن أبا هريرة قال ، ثم ذكر هذا الحديث ، وقال فيه : لو منعوني عناقا [ ص: 85 ] ولا نعلم ، عن شعيب ، عن الزهري في ذلك اختلافا .

5855 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن عبيد الله .

عن أبي هريرة ، ثم ذكر هذا الحديث ، وقال فيه : لو منعوني [ عقالا .

5856 - وحدثناه ... ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن أبي هريرة ، فذكره ، وقال : لو منعوني ] عناقا .

[ ص: 86 ] فاختلف عبد الله بن صالح ، وقتيبة على عقيل فيما رواه عن الليث عنه في هذا الحديث ، فقال كل واحد منهما ما ذكرناه في حديثه عنه - والله أعلم - بحقيقة ما كان عنده في ذلك .

5857 - وحدثنا عبيد بن محمد بن رجال ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا إبراهيم بن خالد ، حدثنا رباح بن زيد ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، ثم ذكر هذا الحديث بغير ذكر منه فيه أبا هريرة قال : فقيل لعبد الرزاق : عن أبي هريرة ؟ قال : لا . ولا اختلاف عن معمر في ذلك عندنا .

[ ص: 87 ]

5858 - وحدثنا هارون بن كامل ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله : أن أبا هريرة قال ثم ذكر هذا الحديث ، وقال فيه : لو منعوني عقالا .

[ ص: 88 ] قال أبو جعفر : ولا نعلم عن عبد الرحمن بن خالد في ذلك اختلافا .

5859 - وحدثنا عبيد ، حدثنا أحمد ، حدثنا عنبسة بن خالد ، حدثني يونس بن يزيد ، حدثني ابن شهاب .

5860 - وحدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا محمد بن أبي حفصة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي هريرة ، ثم ذكر هذا الحديث ، وقال : والله لو منعوني عناقا ، ولا نعلم عن محمد بن أبي حفصة ، عن الزهري في ذلك خلافا .

5861 - وحدثنا علي بن شيبة ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا النضر بن شميل ، حدثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة [ ص: 89 ] عن أبي هريرة ، ثم ذكر هذا الحديث ، وقال فيه : لو منعوني عناقا .

قال أبو جعفر : ولا نعلم عن صالح ، عن الزهري في ذلك خلافا ، فوقفنا بذلك على أن الاختلاف في هاتين الكلمتين إنما كان من رواة هذا الحديث لا من كلامأبي بكر - رضي الله عنه - غير أن الأكثر من رواته هم الذين رووا عنه : " لو منعوني عناقا " ، وكان العقال مما اختلف [ ص: 90 ] فيه ، فقال بعضهم : إن العقال المراد به في هذا : هو الحبل الذي تعقل به الفريضة من الصدقة ، كذلك ذكر لنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد ، عن الواقدي قال : وهذا رأي مالك ، وابن أبي ذئب ، وكان هذا غير معروف عن مالك ، وهو فاسد في القياس ; لأنه لو كان على مؤدي الفريضة من المواشي أنه يؤدي معها عقالا في القياس لكان على من كان عليه زكاة ماله من صدقة الدراهم ، ومن الدنانير أن يؤدي معها كيسا تكون محفوظة فيه ، ولكان على من وجب عليه في نخله الصدقة أن يعطي معها قواصر حتى يجعلها فيه ، وذلك مما لا يقوله أحد ، فكان ذلك دليلا على فساد هذا القول .

وقال بعضهم : العقال : هو صدقة عام ، واحتج في ذلك من العلة بما حكاه لنا علي ، عن أبي عبيد قال : أخبرني ابن الكلبي ، قال : استعمل معاوية ابن أخيه عمرو بن عتبة على صدقات كلب ، فاعتدى عليهم ، فقال عمرو بن العداء الكلبي في ذلك :


سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا فكيف لو قد سعى عمرو عقالين     لأصبح الحي أوبادا ولم يجدوا
عند التفرق في الهيجا جمالين

.

[ ص: 91 ] وكان هذا التأويل أيضا عندنا فاسدا ; لأن أبا بكر - رضي الله عنه - إنما قال ما قال على أنهم لو منعوه قليلا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة لقاتلهم عليه ، كما يقاتلهم لو منعوه الصدقة كلها ، ولم نجد في تأويل العقال قولا يشبه أن يكون هو المراد غير شيء قد روي عن ابن الأعرابي قال : المصدق إذا أخذ من الصدقة غير ما فيها قيل : أخذ عقالا ، وإذا أخذ ثمنا قيل : أخذه نقدا ، وأنشد .


فأما أبو الخطاب يضرب طبله     قرين ولا يأخذ عقالا ولا نقدا

.

وكان الأولى بهذا الحديث هو " العناق " لا " العقال " وفي ذلك باب من الفقه يجب الوقوف عليه .

وذلك أن أهل العلم يختلفون في الغنم إذا كانت سوائم فضل ، لا مسنة فيها ، فطائفة منهم تقول : لا شيء فيها ، وطائفة منهم تقول : فيها واحد منها ، وقد رويت هذه الأقاويل كلها عن أبي حنيفة .

حدثنا أحمد بن أبي عمران ، عن محمد بن سماعة ، عن أبي يوسف برجوعه من بعضها إلى بعض قال : فإن قوله الأول منها : إن فيها مسنة .

وكان زفر قد قال هذا القول ، وثبت عليه [ ص: 92 ] كما حدثنا محمد بن العباس ، عن يحيى بن سليمان ، عن الحسن بن زياد ، عن زفر .

وكان أبو يوسف يقول بقوله : فيها واحد منها .

كما حدثنا محمد بن العباس ، عن علي بن معبد ، عن محمد ، عن أبي يوسف .

وكان محمد بن الحسن يقول في ذلك : إنه لا شيء فيها .

كما حدثنا محمد بن العباس ، عن علي بن معبد .

وكان الأولى من أقاويله هذه عندنا في هذا الباب ما قد وافقه أبو يوسف عليه لإخبار أبي بكر - رضي الله عنه - الناس أنهم لو منعوه عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة ، ولا يكون ذلك إلا فيما لا مسنة فيه ، وفي ثبوت ما قد قال أهل القول في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية