الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              1548 (باب الميت يعذب ببكاء الحي)

                                                                                                                              وأورده النووي في: (كتاب الجنائز) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 234، 235 ج المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ (عن عبد الله بن أبي بكر، ، عن أبيه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة ) وذكر لها أن [ ص: 310 ] عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة : يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب. ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها، فقال: "إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها" .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              فيه: إنكار عائشة على ابن عمر، ونسبتها النسيان إليه ، والخطأ عليه.

                                                                                                                              والمراد: أنها تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها، لا بسبب البكاء.

                                                                                                                              وفي الباب أحاديث صحيحة، بألفاظ وطرق، عند مسلم وغيره.

                                                                                                                              واختلف أهل العلم فيها:

                                                                                                                              فتأولها الجمهور: على أن من وصى بأن يبكى عليه، ويناح بعد موته، فنفذت وصيته. فهذا يعذب ببكاء أهله عليه، ونوحهم؛ لأنه بسببه، ومنسوب إليه.

                                                                                                                              فأما من غير وصية، فلا يعذب.

                                                                                                                              قالوا: وكان من عادة العرب: "الوصية بذلك ".

                                                                                                                              ومنه قول طرفة بن العبد:


                                                                                                                              إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد



                                                                                                                              [ ص: 311 ] فخرج الحديث مطلقا، حملا على ما كان معتادا لهم.

                                                                                                                              قالوا: ومن أوصى بتركها فلا يعذب؛ إذ لا صنع له فيها، ولا تفريط منه.

                                                                                                                              وحاصل القول، في الجمع بين الروايات: إيجاب الوصية بترك النوح، والبكاء. ومن أهملها عذب بهما.

                                                                                                                              وقالت طائفة: كانوا ينوحون على الميت، ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه، في زعمهم. وتلك الشمائل، قبائح في الشرع، عذب بها.

                                                                                                                              كقولهم: يا مؤيم النسوان، ومؤتم الولدان، ومخرب العمران، ومفرق الأخدان، ونحو ذلك. وهو حرام شرعا.

                                                                                                                              وقيل: يعذب بسماعه بكاء أهله، ويرق لهم. وإلى هذا ذهب ابن جرير الطبري، وغيره.

                                                                                                                              قال عياض : وهو أولى الأقوال.

                                                                                                                              قال النووي : والصحيح ما قدمنا عن الجمهور.

                                                                                                                              وأجمعوا كلهم، على اختلاف مذاهبهم: على أن المراد "بالبكاء" هنا: البكاء بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين..

                                                                                                                              قال في " السيل الجرار ": قد ثبت عنه، من طرق في الصحيحين وغيرهما: " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ".

                                                                                                                              [ ص: 312 ] وفي لفظ: "يعذب في قبره بما نيح عليه".

                                                                                                                              فهذا يدل على أن النوح والبكاء، الذي يمكن دفعه: حرام.

                                                                                                                              وأما مجرد فيضان الدمع، وذروفها بالدموع، من دون صوت ولا نوح، ولا تعمد للبكاء: فهو الذي حصل الإذن به.

                                                                                                                              وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "ولا نقول إلا ما يرضي ربنا"، وما في معناه.

                                                                                                                              قال: فهكذا ينبغي أن يكون الجمع بين الأحاديث المختلفة، في هذا الباب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية