الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو حازم ( ع )

                                                                                      سلمة بن دينار ، الإمام القدوة ، الواعظ ، شيخ المدينة النبوية أبو حازم المديني ، المخزومي ، مولاهم الأعرج ، الأفزر التمار ، القاص ، الزاهد .

                                                                                      وقيل ولاؤه لبني ليث . ولد في أيام ابن الزبير وابن عمر .

                                                                                      وروى عن سهل بن سعد ، وأبي أمامة بن سهل ، وسعيد بن المسيب ، وعبد الله بن أبي قتادة ، والنعمان بن أبي عياش ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأم الدرداء ، وعمارة بن عمرو بن حزم ، وعبيد الله بن مقسم ، ومسلم بن قرط ، [ ص: 97 ] ومحمد بن المنكدر ، وأبي مرة مولى عقيل ، وبعجة بن عبد الله الجهني ، وعدة .

                                                                                      وروى عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وذلك منقطع .

                                                                                      روى عنه ابن شهاب ، ويزيد بن عبد الله بن الهاد ، وعمارة بن غزية ، وزيد بن أبي أنيسة ، وعبيد الله بن عمر ، والحمادان ، والسفيانان ، ومالك ، وسليمان بن بلال ، وأبو غسان محمد بن مطرف ، وموسى بن يعقوب ، وهشام بن سعد ، وفضيل بن سليمان والدراوردي ، وعمر بن علي المقدمي ، وعبد العزيز بن أبي حازم وخلق سواهم .

                                                                                      وثقه ابن معين ، وأحمد ، وأبو حاتم . وقال ابن خزيمة : ثقة ، لم يكن في زمانه مثله .

                                                                                      قال يحيى الوحاظي : قلت لابن أبي حازم : أسمع أبوك من أبي هريرة ؟ .

                                                                                      قال : من حدثك أن أبي سمع من أحد من الصحابة غير سهل بن سعد ، فقد كذب .

                                                                                      قال ابن عيينة عن أبي حازم : إني لأعظ ، وما أرى موضعا ، وما أريد إلا نفسي .

                                                                                      وروى ابن عيينة عنه قال : اشتدت مؤنة الدين والدنيا ، قيل : وكيف ؟ قال : أما الدين ، فلا تجد عليه أعوانا ، وأما الدنيا ، فلا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه .

                                                                                      وقال عنه أيضا : ليس للملوك صديق ، ولا للحسود راحة ، والنظر في العواقب تلقيح العقول .

                                                                                      قال سفيان : فذاكرت الزهري هذه الكلمات ، فقال : كان أبو حازم جاري ، وما ظننت أنه يحسن مثل هذا .

                                                                                      [ ص: 98 ] وروى عبيد الله بن عمر عن أبي حازم قال : لا تكون عالما حتى يكون فيك ثلاث خصال : لا تبغ على من فوقك ، ولا تحقر من دونك ، ولا تأخذ على علمك دنيا .

                                                                                      وروى يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : ما أحببت أن يكون معك في الآخرة ، فاتركه اليوم . وقال : انظر كل عمل كرهت الموت من أجله ، فاتركه ثم لا يضرك متى مت .

                                                                                      وقال : يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة . وقال : انظر الذي يصلحك فاعمل به ، وإن كان فسادا للناس ، وانظر الذي يفسدك فدعه ، وإن كان صلاحا للناس .

                                                                                      وعنه قال : شيئان إذا عملت بهما ، أصبت خير الدنيا والآخرة ، لا أطول عليك ، قيل ما هما ؟ قال : تحمل ما تكره إذا أحبه الله ، وتترك ما تحب إذا كرهه الله .

                                                                                      وعنه : نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا ، أعظم من نعمته فيما أعطاني منها ، لأني رأيته أعطاها قوما فهلكوا .

                                                                                      وروى محمد بن إسماعيل الصنعاني ، عن ابن عيينة ، قال أبو حازم لجلسائه ، وحلف لهم : لقد رضيت منكم أن يبقي أحدكم على دينه كما يبقي على نعله .

                                                                                      أبو الوليد الطيالسي عن ابن عيينة ، سمعت أبا حازم يقول : لا تعادين رجلا ، ولا تناصبنه حتى تنظر إلى سريرته بينه وبين الله ، فإن يكن له سريرة حسنة ، فإن الله لم يكن ليخذله بعداوتك . وإن كانت له سريرة رديئة ، فقد كفاك مساوئه . ولو أردت أن تعمل به أكثر من معاصي الله ، لم تقدر .

                                                                                      وروى يحيى بن محمد المدني ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قلت [ ص: 99 ] لأبي حازم : إني لأجد شيئا يحزنني ، قال : وما هو يا ابن أخي ؟ قلت : حبي للدنيا . قال : اعلم أن هذا لشيء ما أعاتب نفسي على بعض شيء حببه الله إلي ; لأن الله قد حبب هذه الدنيا إلينا . لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا : ألا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئا من شيء يكرهه الله ، ولا أن نمنع شيئا من شيء أحبه الله . فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضرنا حبنا إياها .

                                                                                      ضمرة بن ربيعة ، عن ثوابة بن رافع ، قال : قال أبو حازم : وما إبليس ؟ لقد عصي فما ضر ، ولقد أطيع فما نفع .

                                                                                      وعنه : ما الدنيا ؟ ما مضى منها ، فحلم ، وما بقي منها ، فأماني .

                                                                                      وروى يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : السيئ الخلق أشقى الناس به نفسه التي بين جنبيه ، هي منه في بلاء ثم زوجته ، ثم ولده ، حتى إنه ليدخل بيته ، وإنهم لفي سرور ، فيسمعون صوته فينفرون عنه ، فرقا منه . وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة ، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار ، حتى إن قطه ليفر منه .

                                                                                      روى أبو نباتة المدني ، عن محمد بن مطرف ، قال : دخلنا على أبي حازم الأعرج ، لما حضره الموت ، فقلنا : كيف تجدك ؟ قال : أجدني بخير ، راجيا لله ، حسن الظن به . إنه -والله- ما يستوي من غدا أو راح يعمر عقد الآخرة لنفسه فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها ، فيقوم لها وتقوم له ، ومن غدا أو راح في عقد الدنيا يعمرها لغيره ، ويرجع إلى الآخرة لا حظ له فيها ولا نصيب .

                                                                                      قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما رأيت أحدا الحكمة أقرب إلى فيه من أبي حازم .

                                                                                      يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : تجد الرجل يعمل [ ص: 100 ] بالمعاصي ، فإذا قيل له : أتحب الموت ؟ قال : لا . وكيف وعندي ما عندي ؟ فيقال له : أفلا تترك ما تعمل ؟ فيقول : ما أريد تركه ، ولا أحب أن أموت حتى أتركه .

                                                                                      ابن عيينة ، عن أبي حازم قال : وجدت الدنيا شيئين : فشيئا هو لي ، وشيئا لغيري . فأما ما كان لغيري ، فلو طلبته بحيلة السماوات والأرض لم أصل إليه . فيمنع رزق غيري مني ، كما يمنع رزقي من غيري .

                                                                                      يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : كل عمل تكره من أجله الموت فاتركه ، ثم لا يضرك متى مت .

                                                                                      محمد بن مطرف ، حدثنا أبو حازم قال : لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله ، إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد . ولا يعور ما بينه وبين الله إلا عور فيما بينه وبين العباد . لمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها . إنك إذا صانعته مالت الوجوه كلها إليك ، وإذا استفسدت ما بينه ، شنئتك الوجوه كلها .

                                                                                      وعن أبي حازم قال : اكتم حسناتك ، كما تكتم سيئاتك .

                                                                                      سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن عيينة قال : دخل أبو حازم على أمير المدينة ، فقال له : تكلم . قال له : انظر الناس ببابك ، إن أدنيت أهل الخير ، ذهب أهل الشر ، وإن أدنيت أهل الشر ، ذهب أهل الخير .

                                                                                      وقال أبو حازم : لأنا من أن أمنع من الدعاء أخوف مني أن أمنع الإجابة .

                                                                                      وقال : إن الرجل ليعمل السيئة ، ما عمل حسنة قط أنفع له منها ، وكذا في الحسنة .

                                                                                      وعن أبي حازم قال : خصلتان ، من يكفل لي بهما ؟ تركك ما تحب ، واحتمالك ما تكره .

                                                                                      [ ص: 101 ] وقيل : إن بعض الأمراء أرسل إلى أبي حازم ، فأتاه وعنده الزهري والإفريقي ، وغيرهما ، فقال : تكلم يا أبا حازم . فقال أبو حازم : إن خير الأمراء من أحب العلماء ، وإن شر العلماء من أحب الأمراء .

                                                                                      وعن أبي حازم قال : إذا رأيت ربك يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه ، فاحذره ، وإذا أحببت أخا في الله ، فأقل مخالطته في دنياه .

                                                                                      قال مصعب بن عبد الله الزبيري : أبو حازم أصله فارسي ، وأمه رومية ، وهو مولى بني ليث ، وكان أشقر ، أفزر ، أحول .

                                                                                      وقال ابن سعد : كان يقص بعد الفجر وبعد العصر في مسجد المدينة ، ومات في خلافة أبي جعفر ، بعد سنة أربعين ومائة قال : وكان ثقة كثير الحديث .

                                                                                      وقال الفلاس والترمذي : مات سنة ثلاث وثلاثين .

                                                                                      وقال خليفة : سنة خمس وثلاثين وقال الهيثم : مات سنة أربعين ومائة .

                                                                                      وقال يحيى بن معين : مات سنة أربع وأربعين ومائة .

                                                                                      قلت : آخر من حدث عنه أنس بن عياض الليثي ، وحديثه في الكتب الستة .

                                                                                      أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، أنبأنا عبد الصمد بن محمد الحاكم ، أنبأنا علي بن المسلم الفقيه ، أنبأنا الحسين بن محمد الخطيب ، أنبأنا محمد بن أحمد الصيداوي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي عباد الصفار بالرملة ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا سفيان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : من نابه في صلاته شيء ، فليقل سبحان الله ، إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال .

                                                                                      [ ص: 102 ] هذا حديث صحيح ، أخرجه ابن ماجه عن الثقة ، عن سفيان بن عيينة ، وهو في صحيح البخاري . من طريق الثوري ، عن أبي حازم الأعرج .

                                                                                      أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، ويوسف بن أحمد قالا : أنبأنا موسى بن عبد القادر ، أنبأنا سعيد بن أحمد ، أنبأنا علي بن أحمد ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا خلف بن هشام ، حدثنا العطاف بن خالد ، حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : غدوة في سبيل الله أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ، وموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها .

                                                                                      أخرجه الترمذي ، من حديث العطاف ، وصححه ، وهو في البخاري [ ص: 103 ] ومسلم من رواية عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية