الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 131 ] 953 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم داود - عليه السلام - يوما وإفطاره يوما ، وأنه أحب الصيام إلى الله عز وجل .

5893 - حدثنا يونس ، وعيسى بن إبراهيم الغافقي قالا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، وهو ابن دينار ، عن عمرو بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما .

5894 - حدثنا بكر بن إدريس ، حدثنا آدم بن أبي إياس .

5895 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا روح بن عبادة قالا : [ ص: 132 ] حدثنا شعبة ، عن زياد بن الفياض قال : سمعت أبا عياض قال : سمعت عبد الله بن عمرو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

5896 - حدثنا بكار بن قتيبة ، وعلي بن شيبة قالا : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني عمرو بن دينار أن عمرو بن أوس أخبره :

عن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان يصوم نصف الدهر .

[ ص: 133 ] فقال قائل : ففي الحديث أن صوم داود كان أحب الصيام إلى الله عز وجل ، وفيه الزيادة على الصيام المذكور في الحديث الذي في الباب الذي قبل هذا الباب ! .

فكان جوابنا له في ذلك : أنه لا خلاف بين ما في هذا الحديث وبين ما في الحديث الذي رويناه في الباب الأول ; لأن الذي في الحديث إنما هو إخبار عن صوم داود - عليه السلام - ، وهو ومن سواه من الأنبياء محمول عنهم في صيامهم ما ليس بمحمول عمن سواهم ; ألا ترى إلى ما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواصلته الصيام بعد نهيه الناس عن مثل ذلك ، وبيانه لهم أنه في ذلك بخلافهم ، وأنه يطعم ويسقى ، وليسوا كذلك . ؟

5897 - كما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب .

5898 - وكما حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي قال يونس : إن مالكا أخبره ، وقال المزني : أخبرنا مالك ، ثم اجتمعا ، فقالا : عن نافع .

عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ، فقيل : إنك تواصل ، فقال : لست مثلكم إني أطعم وأسقى .

[ ص: 134 ]

5899 - وكما حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن حميد الطويل .

عن أنس بن مالك قال : واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فواصلوا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لو أن الشهر يمد لي لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم ، إني لست مثلكم ؛ إني يطعمني ربي عز وجل ويسقيني .

[ ص: 135 ] أولا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان محمولا عنه في صيامه مما ليس محمولا عمن سواه من أمته ؟! فكان يغنى بذلك عن الإفطار الذي لا يغنى غيره من أمته عنه ، وكان من أجل ذلك يواصل الوصال الذي كان يواصله مما هو مباح له للمعنى الذي معه مما ليس مع غيره ، فكان غيره في ذلك مذموما ، وكان هو صلى الله عليه محمودا ، فكان داود صلوات الله عليه في صومه كذلك ، وكان من أجل ذلك حمد الله منه صومه الذي كان يصومه .

ومما يدل على هذا المعنى أيضا ، ويوجب تفضيل قليل الصيام على كثيره بعد أن يكون مع قليله الأسباب المتقرب بها إلى الله سبحانه .

5900 - ما قد حدثنا أبو أمية قال : حدثنا علي بن قادم ، حدثنا مسعر بن كدام ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي العباس .

عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم أنبأ أنك تصوم الدهر ، وتقوم الليل ؟ قال : قلت : إني أقوى ، قال : إذا [ ص: 136 ] فعلت نفهت لك النفس ، وهجمت لك العين ، قال : قلت : إني أقوى ، قال : صم ثلاثة أيام من كل شهر . قال : قلت : إني أقوى ، قال : صم صوم أخي داود : كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى .

[ ص: 137 ]

5901 - وما قد حدثنا يونس ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت أبا العباس - رجلا من أهل مكة ، وكان شاعرا ، وكان لا يتهم في الحديث - قال : سمعت عبد الله بن عمرو ، ثم ذكر مثله .

أولا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن داود - عليه السلام - أنه كان مع صيامه الصيام المذكور عنه في هذا الحديث لا يفر إذا لاقى لبقاء قوته ، وأن الصوم الذي كان منه لم يخرجه عما كان منه من القوة على مثل هذا ، وأن من سواه في ذلك ليس كهو لما دخل عليه من الضعف في بدنه الذي يقطع عن ذلك ؟

فدل ذلك أن الذي حمد الله عز وجل من داود من ذلك الصيام كان لذلك المعنى ، وأن الذي أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن عمرو ، واختياره له من الصيام هو الذي لا يقطعه عن مثل ذلك على [ ص: 138 ] ما ذكرنا في الآثار التي رويناها عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك .

وقد وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل بعض المفطرين على الصائمين في بعض المواطن .

5901 م - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، أخبرنا أبو معاوية الضرير ، عن عاصم ، عن مورق العجلي ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا في يوم شديد الحر ، فمنا الصائم ، ومنا المفطر ، وأكثرنا ظلالا صاحب الكساء ، ومنا من يتقي الشمس بيده ، فسقط الصوام ، وقام المفطرون ، فضربوا الأبنية ، وسقوا الركاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون بالأجر اليوم .

ألا ترى إلى ما في هذا الحديث من تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم المفطرين الذين قووا بإفطارهم على الأفعال التي فعلوها مما قووا بها على ما هم فيه أنهم قد جعلوا بذلك العمل مع إفطارهم أفضل من الصيام الذي عجز عنه الصائمون في صومهم .

[ ص: 139 ] وفيما ذكرنا من هذا كشف المعاني التي ذكرناها فيما تقدم منا في الباب الذي قبل هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية