الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله - جل وعز - : وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر ؛ أي : " رؤساء الكافرين " ؛ وقادتهم؛ لأن الإمام متبع؛ وهذه الآية توجب قتل الذمي إذا أظهر الطعن في الإسلام؛ لأن العهد معقود عليه بألا يطعن؛ فإذا طعن فقد نكث؛ وقوله : أئمة الكفر ؛ فيها عند النحويين لغة واحدة : " أيمة " ؛ بهمزة وياء؛ والقراء يقرؤون : " أئمة " ؛ بهمزتين؛ و " أيمة " ؛ بهمزة؛ وياء؛ فأما النحويون فلا يجيزون اجتماع الهمزتين ههنا؛ لأنهما لا تجتمعان في كلمة؛ ومن قرأ : " أئمة " ؛ بهمزتين؛ فينبغي أن يقرأ : " يا بني أأدم " ؛ والاجتماع أن " آدم " ؛ فيه همزة واحدة؛ فالاختلاف راجع إلى الإجماع؛ إلا أن النحويين يستصعبون هذه المسألة؛ ولهم فيها غير قول؛ يقولون - إذا فضلنا رجلا في الإمامة - : " هذا أوم من هذا " ؛ ويقول بعضهم : " أيم من هذا " ؛ فالأصل في اللغة : " أأممة " ؛ لأنه جمع " إمام " ؛ مثل " مثال " ؛ و " أمثلة " ؛ ولكن [ ص: 435 ] الميمين لما اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية؛ وألغيت حركتها على الهمزة؛ فصار " أئمة " ؛ فأبدل النحويون من الهمزة الياء؛ ومن قال : " هذا أيم من هذا " ؛ جعل هذه الهمزة كلما تحركت أبدل منها ياء؛ قال أبو إسحاق : والذي قال : " هذا أوم من هذا " ؛ كانت عنده أصلها " أأم " ؛ فلم يمكنه أن يبدل منها ألفا؛ لاجتماع الساكنين؛ فجعلها واوا مفتوحة؛ لأنه قال : إذا جمعت " آدم " ؛ قلت : " أوادم " ؛ وهذا هو القياس الذي جعلها ياء؛ قال : قد صارت الياء في " أئمة " ؛ بدلا لازما؛ وهذا مذهب الأخفش؛ والأول مذهب المازني؛ قال أبو إسحاق : وأظنه أقيس الوجهين؛ أعني : " هذا أوم من هذا " ؛ فأما " أئمة " ؛ باجتماع الهمزتين؛ فليس من مذاهب أصحابنا؛ إلا ما يحكى عن ابن إسحاق؛ فإنه كان يحب اجتماعهما؛ وليس ذلك عندي جائزا؛ لأن هذا الحرف في " أئمة " ؛ قد وقع فيه التضعيف؛ والإدغام؛ فلما أدغم وقعت علة في الحرف؛ وطرحت حركته على الهمزة؛ فكان تركها دليلا على أنها همزة قد وقع عليها حركة ما بعدها؛ وعلى هذا القياس يجوز : " هذا أأم من هذا " ؛ والذي بدأنا به هو الاختيار من ألا تجتمع همزتان. وقوله : إنهم لا أيمان لهم ؛ وتقرأ : " لا إيمان لهم " ؛ فمن قرأ : " لا أيمان لهم " ؛ بالفتح؛ فقد وصفهم بالنكث في العهد؛ وهو أجود القراءتين؛ ومن قرأ : " لا إيمان لهم " ؛ فقد وصفهم بالردة؛ أي : " لا إسلام لهم " ؛ ويجوز أن يكون نفى عنهم الإيمان؛ لأنهم لم يؤمنوا؛ كما تقول : " لا علم لفلان " . [ ص: 436 ] ويجوز أن يكون " لا أيمان لهم " ؛ إذا كنتم أنتم آمنتموهم؛ فنقضوا هم عهدكم؛ فقد بطل الأمان الذي أعطيتموهم؛ أي : " لا إيمان لهم " ؛ على " آمنت إيمانا " ؛ على المصدر؛ لعلهم ينتهون ؛ أي : ليرجى منهم الانتهاء والنكث : النقض في كل شيء.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية