الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون

                                                                                                                                                                                                                                        (31) أي: ومن الأدلة على قدرته وكماله ووحدانيته ورحمته أنه لما كانت الأرض لا تستقر إلا بالجبال أرساها بها وأوتدها؛ لئلا تميد بالعباد؛ أي: لئلا تضطرب، فلا يتمكن العباد من السكون فيها، ولا حرثها، ولا الاستقرار بها، فأرساها بالجبال، فحصل بسبب ذلك من المصالح والمنافع ما حصل. ولما كانت الجبال المتصل بعضها ببعض قد تتصل اتصالا كثيرا جدا، فلو بقيت بحالها جبالا شامخات، وقللا باذخات لتعطل الاتصال بين كثير من البلدان؛ فمن حكمة الله ورحمته أن جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا ؛ أي: طرقا سهلة لا حزنة، لعلهم يهتدون إلى الوصول إلى مطالبهم من البلدان، ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان.

                                                                                                                                                                                                                                        (32 -33 وجعلنا السماء سقفا للأرض التي أنتم عليها محفوظا من السقوط إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا محفوظا أيضا من استراق الشياطين للسمع، وهم عن آياتها معرضون ؛ أي: غافلون لاهون. وهذا عام في جميع آيات السماء، من علوها، وسعتها، وعظمتها، ولونها الحسن، وإتقانها العجيب، وغير ذلك من المشاهد فيها، من الكواكب الثوابت والسيارات، وشمسها وقمرها النيرات، المتولد عنهما الليل والنهار، وكونهما دائما في فلكهما سابحين، وكذلك النجوم، فتقوم بسبب ذلك منافع العباد من الحر والبرد والفصول، ويعرفون حساب عباداتهم ومعاملاتهم، ويستريحون في ليلهم ويهدأون ويسكنون، وينتشرون في نهارهم، ويسعون في معايشهم، كل هذه الأمور إذا تدبرها اللبيب، وأمعن فيها النظر جزم جزما لا شك فيه أن الله جعلها مؤقتة في وقت معلوم، إلى أجل محتوم، يقضي العباد منها مآربهم، وتقوم بها منافعهم، وليستمتعوا وينتفعوا، ثم بعد هذا ستزول وتضمحل، ويفنيها الذي أوجدها، ويسكنها الذي [ ص: 1065 ] حركها، وينتقل المكلفون إلى دار غير هذه الدار، يجدون فيها جزاء أعمالهم، كاملا موفرا، ويعلم أن المقصود من هذه الدار أن تكون مزرعة لدار القرار، وأنها منزل سفر لا محل إقامة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية