الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    [ ص: 575 ] ( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ( 45 ) أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين ( 46 ) أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم ( 47 ) )

                                                                                                                                                                                                    يخبر تعالى عن حلمه [ وإمهاله ] وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات ويدعون إليها ، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم وحملهم عليها ، مع قدرته على ( أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ) أي : من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم ، كما قال تعالى : ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ) [ الملك : 16 ، 17 ] وقوله ( أو يأخذهم في تقلبهم ) أي : في تقلبهم في المعايش واشتغالهم بها ، من أسفار ونحوها من الأشغال الملهية .

                                                                                                                                                                                                    قال قتادة والسدي : ( تقلبهم ) أي : أسفارهم .

                                                                                                                                                                                                    وقال مجاهد ، والضحاك : ( في تقلبهم ) في الليل والنهار ، كما قال تعالى : ( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ) [ الأعراف : 97 ، 98 ] . وقوله ( فما هم بمعجزين ) أي : لا يعجزون الله على أي حال كانوا عليه .

                                                                                                                                                                                                    وقوله : ( أو يأخذهم على تخوف ) أي : أو يأخذهم الله في حال خوفهم من أخذه لهم ، فإنه يكون أبلغ وأشد حالة الأخذ ; فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد ; ولهذا قال العوفي ، عن ابن عباس : ( أو يأخذهم على تخوف ) يقول : إن شئت أخذته على أثر موت صاحبه وتخوفه بذلك . وكذا روي عن مجاهد ، والضحاك ، وقتادة وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                    ثم قال تعالى : ( فإن ربكم لرءوف رحيم ) أي : حيث لم يعاجلكم بالعقوبة ، كما ثبت في الصحيحين " [ لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم " . وفي الصحيحين ] إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] وقال تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج : 48 ] .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية