الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 171 ] 957 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة ، وأوجب له النار .

5928 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، وأبو أمية قالا : حدثنا عمر بن يونس ، واللفظ لإبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثني طارق بن عبد الرحمن قال : سمعت عبد الله بن كعب - وأبوه كعب أحد الثلاثة الذين خلفوا - .

حدثني أبو أمامة ، وهو مسند ظهره إلى هذه السارية من سواري المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت أنا وأبوك كعب بن مالك ، وأخوك محمد بن كعب قعودا عند هذه السارية ، ونحن نذكر الرجل يحلف على مال الرجل ، فيقتطعه بيمينه كاذبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما رجل حلف بمال كاذبا فاقتطعه بيمينه ، فقد برئت منه الجنة ، ووجبت له النار .

فقال أخوك محمد بن كعب : يا رسول الله ، وإن كان قليلا ؟ قال : فقلب مسواكا بين أصبعيه ، وقال : وإن كان سواكا من أراك ، وإن كان عودا من أراك
.

[ ص: 172 ]

5929 - وحدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن مالك بن أنس ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن معبد ، عن عبد الله بن كعب .

عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة ، وأوجب له النار . قالوا : وإن كان شيئا يسيرا ؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك - قالها ثلاثا .

[ ص: 173 ]

5930 - وحدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، حدثنا جامع ، وعبد الملك سمعا أبا وائل يحدث .

عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله عز وجل ، وهو عليه غضبان ، ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الله عز وجل : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا . الآية .

[ ص: 174 ]

5931 - وحدثنا محمد بن إبراهيم بن جناد ، حدثنا سهل بن بكار ، حدثنا يزيد بن إبراهيم ، حدثنا حميد بن هلال ، عن أبي الأحوص .

عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله تعالى وهو عليه غضبان .

[ ص: 175 ]

5932 - وحدثنا فهد ، حدثنا عمر بن عبد الوهاب الرياحي أبو حفص ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح بن القاسم ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار ، عن عبيد بن جريج .

عن الحارث ابن البرصاء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمشي بين نمرتين من الحجاز : من أخذ شيئا من مال أخيه بيمين فاجرة ، فليتبوأ بيتا في النار .

5933 - وحدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أمية ، عن ابن أبي الخوار قال : سمعت الحارث بن مالك ابن البرصاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - ولم يذكر في حديثه عبيد بن جريج - من اقتطع من مال امرئ مسلم بيمين كاذبة لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان .

[ ص: 176 ] ففي هذه الآثار اقتطاع الرجل بيمينه كاذبا مال أخيه .

فسأل سائل عن ذلك الاقتطاع ما هو ؟

فكان جوابنا له في ذلك : أن الاقتطاع في ذلك عندنا - والله أعلم - هو أن الرجل إذا غصب رجلا شيئا كان للمغصوب منه أن يطالب به غاصبه إياه ، وكان على غاصبه إحضاره إياه ، وكان على الحاكم أن لا يحيل بين المدعي وبين المدعى عليه حتى يعينه على الذي يدعي عليه ويحلفه ، وإذا حلف له عليه خلى الحاكم بين المطلوب وبين ذلك الشيء الذي حلف عليه حتى يتصرف فيه كيف شاء ، فيكون بذلك مقتطعا .

وإن لم يحلف للطالب على ما ادعاه عليه فيه كان موضعا يختلف أهل العلم فيه غير أن في إجماعهم على النكول عن اليمين عليه ما قد دل أنه قد وجبت بذلك حجة لمدعيه على المدعى عليه .

فطائفة من أهل العلم تقول : هي القضاء له به حتى يستحقه المقضي له على المقضي عليه بذلك ، وممن كان يقول ذلك : أبو حنيفة ، والثوري ، ومن كان يذهب إلى قولهما .

وطائفة تقول : هي وجوب الحلف للمدعي حتى يستحقه بذلك على المدعى عليه ، وحتى يقضي له به عليه ، وقد كان قبل نكول [ ص: 177 ] المطلوب عن اليمين لا يستحقه عليه بحلفه ، وإنما استحقه بذلك بعد نكول المطلوب عن اليمين على ذلك ، وإذا ثبت أن نكول المطلوب عن اليمين للطالب حجة للطالب كان المعقول أن من قامت له حجة لا يسأل معها حجة أخرى ، كما إذا أقر له المدعي بما ادعاه عليه قضي له به عليه ، ولم يسأل إقامة حجة عليه سوى ذلك الإقرار ، وكما إذا أقام عليه بينة في الشيء الذي ادعاه عليه قضي له به عليه ، ولم يسأل مع البينة التي هي له عليه حجة إقامة حجة أخرى معها على ما يدعيه ، وإذا كان ذلك كذلك ، وكان النكول عن اليمين حجة للمدعي على المدعى عليه ، وجب أن يقضى له بحجته ، ولا يكلف إقامة حجة أخرى سواها .

كما لا يكلف إقامة حجة مع الإقرار الذي هو له حجة ومع البينة التي هي له حجة .

وقد وجدنا عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - هذا المعنى بعينه .

كما حدثنا عبيد بن رجال ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا قدامة بن محمد بن قدامة المديني مولى أشجع ، حدثنا مخرمة بن بكير ، عن أبيه قال : سمعت جعفر بن ربيعة يقول : سمعت كعب بن علقمة يقول :

سمعت عبد الله بن عوف من أهل فلسطين يقول : أمرت امرأة وليدة لها أن تضطجع عند زوجها ، فحسب أنها جاريته فوقع عليها وهو لا يشعر ، فقال عثمان بن عفان : أحلفوه لما شعر ، فإن أبى أن يحلف فارجموه ، وإن حلف فاجلدوه مائة جلدة ، واجلدوا امرأته مائة [ ص: 178 ] جلدة ، واجلدوا الوليدة الحد .

ففي هذا الحديث حكم عثمان لإبائه الحلف بحكم الإقرار ، ولا نعلم عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافا منهم إياه في ذلك ، ولا إنكارا منهم إياه عليه ، وفي ذلك شد ما وصفنا ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية