الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقوله تعالى: وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين الذين فسقوا عن أوامر الله تعالى ونواهيه التي جاء بها النبيون وكذبوا، ليس لهم من عهد يوفون به، حتى عهد الفطرة التي فطرهم الله تعالى، فهم خالفوا العهد الأول، وخالفوا كل عهد عاهدوه، حتى انحلت نفوسهم انحلالا، و"من" هنا لاستغراق النفي، أي: ما وجدنا لأكثرهم أي عهد يحترمونه وينفذونه، وأولها وأقواها عهد الفطرة الذي أخذه الله تعالى في الأصلاب.

                                                          وإذا كانوا لا عهد لهم، وخالفوا فطرة الله التي فطرهم - فهم فاسقون خارجون عن قضايا العقل البديهية; ولذا قال تعالى: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين إن هنا هي المخففة من الثقيلة، وضمير الشأن اسمها، وقوله تعالى: وجدنا أكثرهم لفاسقين والمعنى: إنه أي: الحال والشأن وجدنا ... .

                                                          واللام في قوله: (لفاسقين) لام التوكيد، واقعة في خبر إن.

                                                          ونجد هنا حكم الله تعالى العادل، يحكم بالكثرة الغالبة، لا بالكلية الشاملة، فمنهم صالحون ومنهم فاسقون، وإن الأمم لا توصف كلها بالفسوق; لأنها تفسق كلها، إنما توصف بالفسق؛ لأن كثرتها الغالبة المسيطرة الفاسقة، فهي الظاهرة البارزة، وهي المسيطرة على الجماعة، وهي التي توجد رأيا عاما فاسدا يسوده الشر، ويختفي فيه الخير، والله رءوف بالعباد.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية