الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 443 ] 85 - فصل

                          في المرأة الكافرة تموت وفي بطنها ولد مسلم .

                          قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول في امرأة نصرانية حملت من مسلم فماتت وفي بطنها حمل من مسلم ، فقال : يروى عن واثلة : تدفن بين مقابر المسلمين والنصارى .

                          وقال حنبل في موضع آخر : قلت فإن ماتت وفي بطنها ولد منه ، أين ترى أن تدفن ؟ قال : قد قالوا : تدفن في حجرة من قبور المسلمين .

                          قال أبو داود : سألت أحمد عن النصرانية تموت حبلى من مسلم ، قال : فيها ثلاثة أقاويل ، وقال : أرى أن تدفن ناحية من قبور المسلمين ، لو كانت مقبرة على حدة ، قلت : ما الذي تختار ؟ فذكر قوله هذا .

                          وقال إسحاق بن منصور : قلت لأبي عبد الله : المرأة النصرانية إذا حملت من المسلم فماتت حاملا ؟ قال : حديث واثلة .

                          وقال الفضل بن زياد [ وأبو الحارث ] : سمعت أحمد وسئل عن [ ص: 444 ] المرأة النصرانية تموت وفي بطنها ولد مسلم ؟ قال : فيها ثلاثة أقاويل ، يقال : تدفن في مقبرة المسلمين ، ويقال : في مقابر النصارى .

                          قال أبو الحارث : قال سمرة : تدفن ما بين مقابر المسلمين والنصارى ، قيل له : فما ترى ؟ قال : لو كان لهؤلاء مقابر على حدة ما كان أحسنه .

                          قال الخلال : أخطأ أبو الحارث في قوله : سمرة ، إنما هو واثلة .

                          وقال أبو طالب : سألت أحمد عن أم ولد نصرانية في بطنها ولد مسلم ، قال : تدفن في ناحية ، ولا تكون مع النصارى لمكان ولدها ، ولا مع [ ص: 445 ] المسلمين فتؤذيهم .

                          وقال المروذي : سألت أبا عبد الله عن النصرانية ، يكون في بطنها المسلم ، فتبسم وقال : ما أحسن أن تدفن بين مقبرتين ! يعني مقابر المسلمين والنصارى .

                          قال المروذي : وكأن كلام أبي عبد الله أنه لا يرى بأسا أن تدفن في مقابر المسلمين من أجل الذي في بطنها .

                          وسئل أيضا : ما تقول في النصرانية تموت وفي بطنها ولد مسلم أين تدفن ؟ قال : فيها ثلاثة أقاويل ، عن عمر : تدفن مع المسلمين ، وعن واثلة : تدفن بين مقابر المسلمين والنصارى ، وذكر آخر أنها تدفن مع النصارى .

                          قال : أعجب إلي أن تدفن بينهما ، قلت : فإن لم يوجد إلا مقابر المسلمين ؟ فتبسم ولم يكرهه .

                          قلت : أما أثر واثلة فقال ابن أبي شيبة : حدثنا جعفر بن عون عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن واثلة بن الأسقع في امرأة نصرانية في بطنها ولد من مسلم قال : تدفن في مقبرة بين مقابر المسلمين والنصارى .

                          [ ص: 446 ] وأما أثر عمر فقال : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو ، قال : ماتت امرأة بالشام وفي بطنها ولد من مسلم وهي نصرانية ، فأمر عمر أن تدفن مع المسلمين من أجل ولدها .

                          قالوا : ويكون ظهرها إلى القبلة على يسارها ; لأن وجه الجنين إلى ظهر أمه فيكون حينئذ وجهه إلى القبلة على جنبه الأيمن .

                          [ ص: 447 ] قال أبو عبد الله بن حمدان في " رعايته " : دفنت منفردة كالمرتد .

                          قلت : ووجه هذا أنه لم يثبت له حكم الدين الذي انتقل إليه من التوارث والموالاة ودفعه إلى الكفار يتولونه ، وقد زال حكم الدين الذي كان عليه ، فيدفن وحده .

                          ولأصحاب الشافعي في الذمية تموت وفي بطنها ولد مسلم أربعة أوجه :

                          أصحها : ما ذكرناه .

                          والثاني : تدفن في مقابر المسلمين .

                          قال أصحاب هذا الوجه : وتكون للولد بمنزلة صندوق مودع فيه .

                          والثالث : تدفن في مقابر أهل دينها ; لأن الحمل لا حكم له يثبت أحكام الدنيا من غسله والصلاة عليه وغيرها ، فلم يثبت له شيء من أحكام أموات المسلمين ، فتفرد بهذا الحكم وحده .

                          والرابع : أنها تدفن في طرف مقابر المسلمين .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية