الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا . الآية . أخرج البخاري في تاريخه والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن نافع أنه سأل ابن عمر قال : إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة إمامنا أو عسكرنا؟ فقال لي : الفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت : إن الله يقول : إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار قال : إنما أنزلت هذه الآية في أهل بدر لا قبلها ولا بعدها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري في قوله : ومن يولهم يومئذ دبره قال : إنها كانت لأهل بدر خاصة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير عن أبي نضرة في قوله : ومن يولهم يومئذ دبره الآية، قال : نزلت يوم بدر ولم يكن لهم أن ينحازوا ولو [ ص: 66 ] انحازوا لم ينحازوا إلا إلى المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال : لا تغرنكم هذه الآية فإنها كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في الآية قال : ذاكم يوم بدر؛ لأنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : نزلت في أهل بدر خاصة ما كان لهم أن ينهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن الحسن في قوله : ومن يولهم يومئذ دبره قال : إنما كانت يوم بدر خاصة، ليس الفرار من الزحف من الكبائر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله : ومن يولهم يومئذ دبره قال : ذاك في يوم بدر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة ، وابن جرير عن الضحاك قال : إنما كان يوم بدر ولم يكن للمسلمين فئة ينحازون إليها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 67 ] وأخرج عبد الرزاق عن قتادة : ومن يولهم يومئذ دبره قال : يرون أن ذلك في بدر ألا ترى أنه يقول : ومن يولهم يومئذ دبره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن يزيد بن أبي حبيب قال : أوجب الله لمن فر يوم بدر النار، قال : ومن يولهم يومئذ دبره إلى قوله : فقد باء بغضب من الله فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال : إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم [آل عمران : 155] ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين فقال : ثم وليتم مدبرين ، ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء [التوبة : 25 - 27] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله : ومن يولهم يومئذ دبره قال : يعني يوم بدر خاصة منهزما : إلا متحرفا لقتال يعني مستطردا يريد الكرة على المشركين : أو متحيزا إلى فئة يعني : أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمة، فقد باء بغضب من الله يقول : استوجبوا سخطا من الله : ومأواه جهنم وبئس المصير فهذا يوم بدر خاصة كأن الله شدد على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين وهو أول قتال قاتل فيه المشركين من أهل مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 68 ] المتحرف : المتقدم من أصحابه أن يرى عورة من العدو فيصيبها والمتحيز : الفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه قال : وإنما هذه وعيد من الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ألا يفروا وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم فئتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح في قوله : ومن يولهم يومئذ دبره قال : هذه منسوخة بالآية التي في "الأنفال" : الآن خفف الله عنكم الآية [الأنفال : 66 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن عباس قال : الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله قال : ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : الفرار من الزحف من الكبائر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : الفرار من الزحف من الكبائر . [ ص: 69 ] وأخرج سعيد بن منصور ، وابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد ، وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له، وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال : كنا في غزاة فحاص الناس حيصة قلنا : كيف نلقى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فخرج فقال : من القوم؟ فقلنا : نحن الفرارون، فقال : لا بل أنتم العكارون، فقبلنا يده فقال : أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين . ثم قرأ : إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أمامة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنت أوضئ النبي صلى الله عليه وسلم أفرغ على يديه، إذ دخل عليه رجل فقال : يا رسول الله أريد اللحوق بأهلي فأوصني بوصية أحفظها عنك، قال : ولا تفر يوم الزحف [ ص: 70 ] فإنه من فر يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : من فر من ثلاثة فلم يفر، ومن فر من اثنين فقد فر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر قال : لما نزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار الآية، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاتلوا كما قال الله .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما نزلت هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء : 48] . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا كما قال الله
                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن عمرو بن العاصي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ من سبع موتات، موت الفجأة، ومن لدغ الحية، ومن السبع، ومن الغرق، ومن الحرق، ومن أن يخر على شيء أو يخر عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزحف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن أبي اليسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء [ ص: 71 ] الكلمات السبع يقول : اللهم إني أعوذ بك من الهدم وأعوذ بك من التردي وأعوذ بك من الغم والغرق والحرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا، وأعوذ بك أن أموت لديغا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد وأبو داود والترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه، عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثا غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 72 ] وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل مثله موقوفا وله حكم الرفع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية