الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              4545 5 - باب الدية كم هي

                                                              542 \ 4379 - وعن خشف بن مالك الطائي، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في دية الخطأ عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون بني مخاض ذكر .

                                                              وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعا [ ص: 143 ] إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عبد الله موقوفا.

                                                              وقال أبو بكر البزار : وهذا الحديث لا نعلمه روي عن عبد الله مرفوعا إلا بهذا الإسناد. هذا آخر كلامه.

                                                              وذكر الخطابي : أن خشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث. وعدل الشافعي عن القول به لما ذكرنا من العلة في راويه، ولأن فيه بني مخاض، ولا مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات; وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، في قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة ، وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض.

                                                              وقال الدارقطني : "هذا حديث ضعيف غير ثابت، عند أهل المعرفة بالحديث "، وبسط الكلام في ذلك وقال: "لا نعلمه رواه إلا خشف بن مالك عن ابن مسعود، وهو رجل مجهول لم يرو عنه إلا زيد بن جبير".

                                                              ثم قال: "لا نعلم أحدا رواه عن زيد بن جبير، إلا حجاج بن أرطاة، والحجاج فرجل مشهور بالتدليس، وبأنه يحدث عمن لم يلقه ولم يسمع منه "، ثم ذكر أنه قد اختلف فيه على الحجاج بن أرطاة.

                                                              وقال البيهقي : وخشف بن مالك مجهول، واختلف فيه على الحجاج بن [ ص: 144 ] أرطاة، والحجاج غير محتج به. والله أعلم.

                                                              وقال الموصلي : خشف بن مالك ليس بذاك، وذكر له هذا الحديث.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وهذا الحديث قد رواه إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: في الخطأ أخماسا: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت لبون، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بني مخاض ذكره البيهقي.

                                                              قال: وكذلك رواه سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله، وعن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الله.

                                                              وكذلك رواه أبو مجلز، عن أبي عبيدة، عن عبد الله.

                                                              [ ص: 145 ] قال البيهقي: فهذا الذي قاله عبد الله بن مسعود في السن، أقل مما حكاه الشافعي، عن بعض التابعين، واسم الإبل يقع عليه، وهو قول صحابي فقيه، فهو أولى بالاتباع.

                                                              قال: ومن رغب عنه، احتج بحديث سهل بن أبي حثمة في القسامة: فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من إبل الصدقة ، وليس لبني المخاض مدخل في فرائض الصدقات.

                                                              قال: وحديث القسامة، وإن كان في قتل العمد، ونحن نتكلم في دية الخطأ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يثبت القتل عليهم، وداه بدية الخطأ متبرعا بذلك.

                                                              وعلل حديث ابن مسعود بأنه منقطع، لأن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة. قال يعقوب بن سفيان: حدثنا بندار، حدثنا أمية بن خالد، حدثنا شعبة قال: كنت عند أبي إسحاق الهمداني فقيل له: إن شعبة يقول: إنك لم تسمع من علقمة شيئا؟ فقال صدق.

                                                              وأما أبو عبيدة فلم يسمع من أبيه، قال شعبة، عن عمرو بن مرة: سألت أبا عبيدة: تحفظ من أبيك شيئا ؟ قال لا.

                                                              ثم ذكر تعليل حديث خشف بن مالك المرفوع.

                                                              [ ص: 146 ] ومراد البيهقي بقول: "إن ما في حديث ابن مسعود أقل مما حكاه الشافعي، عن بعض التابعين، والأخذ به أولى" أن الشافعي قال في رواية الربيع: وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قتل عمد الخطأ: "مغلظة، منها: أربعون خلفة في بطونها أولادها"، ففي ذلك دليل على أن دية الخطأ، الذي لا يخالطه عمد مخالفة لهذه الدية، وقد اختلف الناس فيها، فألزم القاتل مائة من الإبل بالسنة، ثم ما لم يختلفوا فيه، فلا ألزمه من أسنان الإبل، إلا أقل ما قالوا يلزمه; لأن اسم الإبل يلزم الصغار والكبار، فدية الخطأ أخماس: عشرون ابنة مخاض، [ق230] وعشرون ابنة لبون، وعشرون بني لبون ذكور، وعشرون حقة، وعشرون جذعة.

                                                              أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وبلغه عن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون ذلك.

                                                              فهذا الذي ألزمه البيهقي لأجله أن يقول بما قاله ابن مسعود لوجهين: أحدهما: أنه أقل مما قاله هؤلاء، والثاني: أنه قول صحابي من فقهاء [ ص: 147 ] الصحابة، فالأخذ به أولى من قول التابعين.

                                                              وأما تعليله بما ذكر فضعيف، فإنه قد روي من وجوه متعددة، عن ابن مسعود، إذا جمع بعضها إلى بعض، قوي مجموعها على دفع العلة التي علل بها.

                                                              وقد ثبت عن إبراهيم أنه قال: إذا قلت: قال عبد الله، فهو ما حدثني به جماعة عنه، وإذا قلت: حدثني فلان، عن عبد الله، فهو الذي سميت.

                                                              وأبو عبيدة شديد العناية، بحديث أبيه وفتاويه، وعنده في ذلك من العلم ما ليس عند غيره.

                                                              وأبو إسحاق وإن لم يسمع من علقمة، فإمامته وجلالته، وعدم شهرته بالتدليس، تمنع أن يكون سمعه من غير ثقة، فيعد إسقاطه تدليسا للحديث.

                                                              وبعد، ففي المسألة مذهبان آخران:

                                                              أحدهما: أنها خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمسة وعشرون بنت لبون أرباعا، حكاه الشافعي فيما بلغه، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، [عن [ ص: 148 ] عاصم] بن ضمرة، عن علي.

                                                              الثاني: أنها ثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون، وعشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون ذكر، رواه البيهقي، عن عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت.

                                                              وكل هذا يدل على أنه ليس في الأسنان شيء مقدر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية