الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          924 مسألة :

                                                                                                                                                                                          وجائز تحريق أشجار المشركين ، وأطعمتهم ، وزرعهم ودورهم ، وهدمها ، قال الله - تعالى - : { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } وقال - تعالى - { : ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } وقد أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير - وهي في طرف دور المدينة - وقد علم أنها تصير للمسلمين في يوم أو غده .

                                                                                                                                                                                          وقد روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : لا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ينهى أبو بكر عن ذلك اختيارا ; لأن ترك ذلك أيضا مباح كما في الآية المذكورة ، ولم يقطع صلى الله عليه وسلم أيضا نخل خيبر ، فكل ذلك حسن - وبالله - تعالى - التوفيق .

                                                                                                                                                                                          925 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ولا يحل عقر شيء من حيوانهم ألبتة لا إبل ، ولا بقر ، ولا غنم ، ولا خيل ، ولا دجاج ، ولا حمام ، ولا أوز ، ولا برك ، ولا غير ذلك إلا للأكل فقط ، حاشا الخنازير جملة فتعقر ، وحاشا الخيل في حال المقاتلة فقط ، وسواء أخذها المسلمون ، أو لم يأخذوها أدركها العدو ولم يقدر المسلمون على منعها ، أو لم يدركوها ويخلى كل ذلك ولا بد إن لم يقدر على منعه ، ولا على سوقه ، ولا يعقر شيء من نحلهم ، ولا يغرق ، ولا تحرق خلاياه .

                                                                                                                                                                                          وكذلك من وقعت دابته في دار الحرب فلا يحل له عقرها لكن يدعها كما هي وهي له أبدا مال من ماله كما كانت لا يزيل ملكه عنها حكم بلا نص .

                                                                                                                                                                                          وهو قول مالك ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 346 ] وقال الحنفيون ، والمالكيون : يعقر كل ذلك ، فأما الإبل ، والبقر ، والغنم ، فتعقر ، ثم تحرق ، وأما الخيل ، والبغال ، والحمير فتعقر فقط .

                                                                                                                                                                                          وقال المالكيون : أما البغال ، والحمير ، فتذبح ، وأما الخيل فلا تذبح ، ولا تعقر ، لكن تعرقب ، أو تشق أجوافها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : في هذا الكلام من التخليط ما لا خفاء به على ذي فهم ، أول ذلك : أنه دعوى بلا برهان ، وتفريق لا يعرف عن أحد قبلهم ، وكانت حجتهم في ذلك أنهم ربما أكلوا الإبل ، والبقر ، والغنم ، والخيل إذا وجدوها منحورة فكان هذا الاحتجاج أدخل في التخليط من القولة المحتج لها .

                                                                                                                                                                                          وليت شعري متى كانت النصارى ، أو المجوس ، أو عباد الأوثان يتجنبون أكل حمار ، أو بغل ، ويقتصرون على أكل الأنعام ، والخيل ، وكل هؤلاء يأكلون الميتة ، ولا يحرمون حيوانا أصلا - وأما اليهود ، والصابئون : فلا يأكلون شيئا ذكاه غيرهم أصلا - وهذا عجب جدا .

                                                                                                                                                                                          واحتجوا في إباحتهم قتل كل ذلك بقول الله - تعالى - : { ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فقلنا لهم : فاقتلوا أولادهم ، وصغارهم ، ونساءهم ، بهذا الاستدلال فهو بلا شك أغيظ لهم من قتل حيوانهم ؟ فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء ، والصبيان . فقلنا لهم : وهو عليه السلام نهي عن قتل الحيوان ، إلا لمأكله ، ولا فرق ; وإنما أمرنا الله - تعالى - أن نغيظهم فيما لم ينه عنه لا بما حرم علينا فعله .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا سفيان بن عيينة عن عمرو هو ابن دينار - عن صهيب مولى ابن عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله - عز وجل - عنها . قيل : يا رسول الله وما حقها ؟ قال يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها يرمي به } . [ ص: 347 ]

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم بن الحجاج نا محمد بن حاتم نا يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يقتل شيء من الدواب صبرا }

                                                                                                                                                                                          ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن زنبور المكي نا ابن أبي حازم عن يزيد بن الهاد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : لا تمثلوا بالبهائم } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لأمير جيش بعثه إلى الشام : لا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تحرقن نحلا ولا تغرقنه ، ولا يعرف له في ذلك من الصحابة مخالف .

                                                                                                                                                                                          وأما الخنازير فروينا من طريق البخاري نا إسحاق هو ابن راهويه - نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد نا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير } فأخبر عليه السلام أن قتل الخنزير من العدل الثابت في ملته التي يحييها عيسى أخوه عليهما السلام .

                                                                                                                                                                                          وذكر بعض الناس خبرا لا يصح ، فيه : أن جعفر بن أبي طالب عرقب فرسه يوم قتل - وهذا خبر رواه عباد بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني مرة لم يسمه ، ولو صح لما كان فيه حجة ; لأنه ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فأقره .

                                                                                                                                                                                          وأما الفرس في المدافعة فإن للمسلم أن يدفع عنه من أراد قتله أو أسره بأي شيء أمكنه .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية