الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين

فمن الحوادث فيها ما كان من أمر الخوارج والمهلب .

قال علماء السير: اقتتلت الأزارقة والمهلب بسولاف ثمانية أشهر أشد القتال ، فأتاهم قتل مصعب بن الزبير ، فبلغ ذلك إلى الأزارقة قبل المهلب ، فنادت الخوارج لعسكر المهلب: ما قولكم في مصعب؟ فقالوا: إمام هدى ، قالوا: فما قولكم في عبد الملك؟ قالوا: نحن براء منه ، قالوا: فإن مصعبا قد قتل ، وستجعلون غدا عبد الملك إمامكم .

فلما كان من الغد بلغ المهلب الخبر ، فبايع لعبد الملك ، فقالت الخوارج: يا أعداء الله ، أنتم أمس تتبرءون منه وهو اليوم إمامكم . وكان عبد الملك قد ولى على البصرة خالد بن عبد الله ، فبعث خالد المهلب على خراج الأهواز ، وبعث أخاه عبد العزيز على قتال الأزارقة ، فهزم وأخذت زوجته بنت المنذر بن الجارود ، فأقيمت فيمن يزيد ، فبلغت مائة ألف ، وكانت جميلة ، فغار رجل من قومها كان من رءوس الخوارج ، فقال: تنحوا ، ما أرى هذه المشركة إلا قد فتنتكم ، فضرب عنقها .

وكتب خالد إلى عبد الملك يخبره بما جرى ، فكتب إليه: قبح الله رأيك حين [ ص: 118 ] تبعث أخاك أعرابيا من أهل مكة على القتال وتدع المهلب يجبي الخراج وهو البصير بالحرب ، فإذا أمنت عدوك فلا تعمل فيهم برأي حتى يحضر المهلب وتستشيره فيه .

وكتب عبد الملك إلى بشر بن مروان: أما بعد ، فإني قد كتبت إلى خالد بن عبد الله آمره بالنهوض إلى الخوارج ، فسرح إليه خمسة آلاف رجل ، وابعث عليهم رجلا ترضاه ، فإذا قضوا غزاتهم تلك صرفتهم إلى الري فقاتلوا عدوهم .

فقطع على الكوفة خمسة آلاف ، وبعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وقال: إذا قضيت غزاتك هذه فانصرف إلى الري ، وخرج خالد بأهل البصرة حتى قدم الأهواز ، فقال له المهلب: إني أرى ها هنا سفنا كثيرة ، فضمها إليك ، فوالله ما أرى القوم إلا محرقيها ، فما لبث إلا ساعة حتى أقبلت خيل من خيلهم فحرقتها .

وبعث خالد المهلب على ميمنته ، وداود بن قحذم على ميسرته ، ومر المهلب على عبد الرحمن بن محمد ولم يخندق ، فقال له: يا ابن أخي ما يمنعك من الخندق ، فقال: والله لهم أهون علي من ضرطة الحمار ، قال: فلا يهونوا عليك فإنهم سباع العرب ، لا أبرح أو تضرب عليك خندقا .

فأقاموا نحو عشرين ليلة ، ثم إن خالدا زحف إليهم بالناس ، فرأوا عددا هائلا ، فولوا وأخذ المسلمون ما في عسكرهم ، واتبعهم خالد وداود في جيش من أهل البصرة يقتلونهم ، وانصرف عبد الرحمن إلى الري ، وأقام المهلب بالأهواز ، وكتب خالد إلى عبد الملك يخبره بأن المارقين انهزموا وتبعهم فقتل من قتل منهم ، وقد تبعهم داود بن قحذم . فكتب عبد الملك إلى بشر بن مروان:

أما بعد فابعث من قبلك رجلا شجاعا [ ص: 119 ] بصيرا بالحرب في أربعة آلاف ، فليسيروا إلى فارس في طلب المارقة ، فإن خالدا كتب يخبرني أنه قد بعث في طلبهم داود بن قحذم ، فمر صاحبك الذي تبعث أن لا يخالف ابن قحذم إذا التقيا .

فبعث بشر عتاب بن ورقاء على أربعة آلاف من أهل الكوفة ، فخرجوا فالتقوا بداود فتبعوا القوم إلى أن نفقت عامة خيولهم ، ورجعوا إلى الأهواز .

التالي السابق


الخدمات العلمية